﴿مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ الذي يدعونا إليه نوح: من التوحيد، وترك آلهتنا التي نعبدها
﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ جنون ﴿فَتَرَبَّصُواْ﴾ انتظروا ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ أي إلى أن يموت
﴿قَالَ﴾ نوح ﴿رَبِّ انصُرْنِي﴾ عليهم ﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾ أي بسبب تكذيبهم إياي
﴿فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ أي اصنع السفينة بمعونتنا وتحت حفظنا ورعايتنا.
و «الفلك» يطلق على الواحد والجمع ﴿وَوَحْيِنَا﴾ أي وبإرشادنا ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ بإهلاك الكافرين ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ أي وفار الماء في التنور - الذي يخبز فيه - فكان الغرق، من موضع الحرق وقيل: المعنى: أن سفينة نوح عليه السلام سارت بالبخار، كما تسير سفن اليوم في البحار. وهذا معنى قوله تعالى: «وفار التنور» وهو قول غريب مريب: تعلق به وبأمثاله بعض المتأخرين؛ رغم مخالفته للأقوال الصريحة، والأحاديث الصحيحة وما اخترعت مثل هذه المعاني إلا لنفي قدرة الله تعالى على إيجاد الماء من النار، وبالتالي نفي وجوده تعالى وقدرته على خلق الخوارق، وقلب الحقائق ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا﴾ أي فأدخل في السفينة ﴿مِن كُلٍّ﴾ من أنواع المخلوقات وأجناسها ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ ذكر وأنثى؛ لحفظ الأنواع وبقائها. قيل: لم يحمل نوح في سفينته إلا كل ما يلد ويبيض؛ أما أمثال البق والذباب والدود؛ فقد أخرجها الله تعالى - بعد ذلك - من الطين ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أي ولا تسألني المغفرة للكافرين
﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ﴾ أي علوت وتمكنت وجلست ﴿أَنتَ وَمَن مَّعَكَ﴾ من المؤمنين ﴿وَعَلَى الْفُلْكِ﴾ السفينة التي صنعتها بأمري ﴿فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الكافرين
﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً﴾ أي أنزلني إنزالاً مباركاً أو أنزلني موضعاً مباركاً
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من أمر السفينة، وإنجاء نوح والمؤمنين، وإهلاك الكافرين ﴿لآيَاتٍ﴾
-[٤١٥]- دلالات على كمال قدرته تعالى، ومزيد فضله؛ وأنه جل شأنه ينصر دائماً أنبياءه، ويهلك أعداءهم وأعداءه ﴿وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ مصيبين بعض الأنبياء والمؤمنين، أو مصيبين بعض الأقوام المكذبة؛ فقد أصبنا قوم نوح ببلاء عظيم، وعذاب شديد أو «لمبتلين» لمختبرين الأمم السابقة بإرسال الرسل؛ لنعلم - علم ظهور - المطيع من العاصي وقد يكون المعنى «إن في ذلك» القصص؛ الذي قصصناه عليك يا محمد من أمر نوح وغيره من الأنبياء «لآيات» دالة على صدق رسالتك «وإن كنا لمبتلين» أي لمختبرين بذلك أمتك: لنعلم من يصدق بنبوتك، ومن يكفر بما جئت به


الصفحة التالية
Icon