﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا﴾ خلقنا ﴿قُرُوناً﴾ أمماً ﴿آخَرِينَ﴾
﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ أي ما تسبق أمة الوقت المؤقت لإهلاكها. وهو كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾
﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ أي تتتابع: واحداً بعد واحد؛ بفترة بينهما ﴿كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً﴾ في الإهلاك؛ ما داموا تابعين بعضاً في الكفر والتكذيب ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ أي عبراً يتحدث الناس بها؛ ولا يقال «أحاديث» إلا في الشر؛ قال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾
﴿وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ وحجة ظاهرة
﴿فَاسْتَكْبَرُواْ﴾ عن الإيمان ﴿وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ﴾ مستكبرين، ظالمين، قاهرين لغيرهم
﴿فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ مطيعون خاضعون
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾
معجزة دالة على قدرتنا: إذ ولدته - عليه السلام - بغير زوج، وولد بغير أب ﴿وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ﴾ مكان مرتفع؛ وهو بيت المقدس ﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ أي أرض مستوية يستقر فيها ساكنها ﴿وَمَعِينٍ﴾ ماء جار؛ وسمي معيناً: لرؤيته بالعين
﴿يأَيُّهَا الرُّسُلُ﴾ هو خطاب وجه لسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ وأريد به أممهم ﴿كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ الحلال ﴿وَاعْمَلُواْ صَالِحاً﴾ وهم عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون إلا أطيب الطيب، وأحل الحلال؛ ولا يعملون إلا أصلح الأعمال وذلك بفطرتهم واكتسابهم ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فمجازيكم عليه
﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ خطاب لسائر الرسل ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ وهذا يدل على أن الأمم الإسلامية - في شتى أنحاء المعمورة - يجب أن تكون قلباً واحداً، ويداً واحدة، وأمة واحدة: في تشريعها، ومقاصدها، وأغراضها، وتوحيدها؛ فالكل يؤمن بإله واحد يدينون له بالطاعة والعبودية، والكل مصدق بملائكته، وكتبه، ورسله، والكل معترف بالبعث والإحياء، والحساب والجزاء
﴿فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أي تفرقوا في أمر دينهم، وفي أمور دنياهم
-[٤١٧]- ﴿زُبُراً﴾ كتباً ألفوها، وضلالات وضعوها، وخرافات ابتدعوها أو أريد بالزبر: الكتب المنزلة إليهم؛ كالتوراة والإنجيل والزبور: تمسك كل فريق بكتابه؛ بعد أن شوهه، ومسخ ما فيه. أو «زبراً» بمعنى قطعاً؛ أي تفرقوا في أمر دينهم؛ فصاروا يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض