﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً﴾ أي متواضعين، هينين؛ بدون كبر، ولا مرح، ولا بطر ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ﴾ بسفههم: قابلوه بحلمهم؛ و ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾ أي قالوا قولاً يسلمون به من الإثم الذي وقع فيه الجاهلون ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾
أي هلاكاً لازماً، ومغرماً لا كسب فيه
﴿وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ﴾ نفقة على أنفسهم وعيالهم ﴿لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾ أما إذا كان الإنفاق في الصدقات؛ فيستحب الإسراف فيه. قال: «لا سرف في الخير» ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ أي عدلاً بين الإسراف والتقتير؛ وكفى بالمرء سرفاً: أي ينيل نفسه كل ما تبتغيه
﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾ أي جزاء الإثم. وأي إثم أشد من الإسراف، والشرك، وقتل النفس، وارتكاب الزنا
﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾ أي يخلد في العذاب خلوداً أبدياً لا انقضاء له (انظر آية ٩٣ من سورة النساء)
﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾ عن الإسراف، والعصيان، والقتل؛ قبل أن يدركه الموت وأسبابه ﴿وَآمَنَ﴾ ب الله إيماناً يقينياً ﴿وَعَمِلَ﴾ عملاً ﴿صَالِحاً﴾ وذلك لأن الإيمان لا يتم إلا بالعمل الصالح بعد أن بين الله تعالى الموبقات المهلكات، وذكر جزاءها؛ وهو الخلود في النار: ذكر إثماً من أكبر الآثام وأشدها: وهو شهادة الزور
﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ ولا يخفى ما في شهادة الزور من ضياع للحقوق، وإتلاف للأموال، وإفساد للضمائر؛ إلى غير ذلك من إهدار للدماء، وفشو للجرائم وشهادة الزور: من أكبر الكبائر قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسولالله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس - وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور» كررها ثلاثاً؛ لمزيد قبحها، وفادح شرها هذا وقد كان قدماء المصريين يحكمون على شاهد الزور بالقتل ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ﴾ أي بالفحش، وكل ما ينبغي أن يلغى ويطرح. والمعنى: وإذا مروا بأهل اللغو} أي معرضين عنهم
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ أي قرىء القرآن، أو ذكروا بما فيه ﴿لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾ أي بل يسمعونها، ويتبصرون فيها؛ ليعملوا بها
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾
بأن يكونوا طائعين لك ولنا، مشفقين منك وعلينا. وقرة العين: هدوؤها واستقرارها بالاطمئنان؛ أو هو من القر: وهو البرد؛ لأن دمع السرور: بارد، ودمع الحزن: ساخن. ولذا يقال في الدعاء: أقر الله عينك، وأسخن عين عدوك ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ أي قدوة يقتدي بنا في الخير
﴿أُوْلَئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿يُجْزَوْنَ﴾
-[٤٤٦]- على صنيعهم وقولهم هذا ﴿الْغُرْفَةَ﴾ هي واحدة الغرفات؛ وهي أعالي الجنات؛ ومنه قوله تعالى ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ وقيل: الغرفة: الدرجة العليا ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي جزاء صبرهم على الطاعات، وعن المعاصي