﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً﴾ أي علماً غزيراً؛ أستطيع بواسطته الحكم على الأشياء حكماً صحيحاً
﴿وَتِلْكَ﴾ القالة التي تقولها؛ من أنك ربيتني وليداً، وأبقيتني بينكم سنين من عمري ﴿نِعْمَةٌ﴾ حقيقية ﴿تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ ولكن ما قيمتها بعد ﴿أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وأذللتهم؛ وفي ذلك إذلال لي أيضاً؛ لأن كرامة النوع الإنساني لا تتجزأ
﴿قَالَ﴾ موسى لفرعون ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ بمعجزة ظاهرة بينة
﴿قَالَ﴾ فرعون ﴿فَأْتِ بِهِ﴾ أي بهذا الشيء المبين ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دعواك
﴿فَأُلْقِيَ﴾ موسى ﴿عَصَاهُ﴾ التي كان ممسكاً بها في يده يتوكأ عليها ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ ضخم عظيم
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ أخرجها من جيبه ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ تسطع نوراً يغشى الأبصار؛ وليس بياضاً كبياض البرص
﴿قَالَ﴾ فرعون ﴿لِلْمَلإِ﴾ الذين ﴿حَوْلَهُ﴾ من شيعته، المؤمنين بربوبيته ﴿إِنْ هَذَا﴾ يعني موسى عليه السلام
﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ أن أرجئهما وأخرهما ﴿وَابْعَثْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ﴾ جامعين
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ﴾ لوقت ﴿﴾ هو وقت الضحى من يوم الزينة
﴿قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾ عندك
﴿إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾
لموسى
﴿قَالَ لَهُمْ مُّوسَى﴾ أي قال للسحرة ﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾ من السحر
﴿فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ فخيل إلى موسى أنها حيات تسعى ﴿وَقَالُواْ﴾ حينما ألقوا ما ألقوا ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَونَ﴾ مولانا وإلهنا
﴿تَلْقَفُ﴾ تبتلع ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ ما يزورون من تخييل الحبال والعصى أنها حيات. فلما رأى السحرة ما فعله موسى بسحرهم، وعلموا أن ما جاء به ليس بسحر؛ لأن السحر تبقى معداته وأدواته، ولا تمحى؛ وقد لقفت عصاه حبالهم وعصيهم، ولم يبق أثر لها
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ﴾ على وجوههم ﴿سَاجِدِينَ﴾ لرب موسى وهارون؛ بعد أن كانوا يقولون ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ وأصبح من يستعين بهم فرعون: عوناً عليه، لا عوناً له؛ فأسقط في يد اللعين، وحل به الخزي والعار في عقر داره، وبين أهله وأنصاره. وحينئذٍ
﴿قَالَ﴾ مخاطباً سحرته ﴿آمَنتُمْ لَهُ﴾ أي هل آمنتم لموسى ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ بالإيمان ﴿إِنَّهُ﴾ أي موسى ﴿لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ أراد أن يوهم قومه أن سحر موسى من جنس سحر السحرة؛ كيف لا: وقد أحال موسى عصاه حية؛ كما أحالوا حبالهم وعصيهم حيات. وفاته أن السحرة - وهم أدرى الناس وأعلمهم بالسحر - قد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر؛ وإنما هو من صنع فاطر الأرض والسموات
﴿قَالُواْ لاَ ضَيْرَ﴾ لا ضرر ﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ راجعون إليه؛ فيجزينا على ما تفعل بنا خير الجزاء لقد آمن السحرة إيماناً صحيحاً يقينياً، ووثقوا بالبعث والحساب،
-[٤٤٨]- والثواب والعقاب؛ يدل على ذلك قولهم:


الصفحة التالية
Icon