أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يشركون ب الله تعالى غيره ممن خلق، ويجعلونه له عدلاً. والعدل: المثل والنظير ﴿قَرَاراً﴾ للاستقرار عليها؛ ولا تميد بأهلها ﴿خِلاَلَهَآ﴾ فيما بينها ﴿رَوَاسِيَ﴾ جبالاً ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً﴾ بين العذب والملح: لا يختلط أحدهما بالآخر. والحجز: المنع ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ الضر، أو الجور ﴿وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأَرْضِ﴾ أي سكانها؛ يخلف بعضكم بعضاً فيها ﴿بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي للبشارة قدام المطر. وسمي المطر رحمة: لأنه سبب في حياة سائر الحيوان والنبات
﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ من غير مثال سبق ﴿ثُمَّ يُعيدُهُ﴾ يوم القيامة؛ بلا تعب ولا نصب ﴿وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ﴾ بالمطر من ﴿الأَرْضِ﴾ بالنبات ﴿مَّعَ اللهِ بَلْ﴾ فإن زعموا - بعد أن سقت لهم هذه الآيات البينات - أن هناك إلهاً مع الله ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ حجتكم
﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ أي لا يعلم أحد ممن فيهما الغيب الذي انفرد الله تعالى بعلمه إلا هو. قيل: نزلت حين سأل المشركون الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عن وقت القيامة
-[٤٦٥]- ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ متى يبعثون من قبورهم. وقيل: نزلت في سائر الغيوب. ويؤخذ من هذه الآية أن في السموات سكاناً عقلاء؛ لأن «من» لمن يعقل، و «ما» لما لا يعقل. والآية دليل قاطع على نفي علم الغيب عن سائر المخلوقات؛ حتى سكان السموات ومن عجب أن نرى من بيننا من يدعي علم الماضي والحاضر والمستقبل والأعجب أن نرى من يصدقه في هذا الافتراء والزور والبهتان ومن ذهب إلى منجم أو عراف: فقد جحد بهذه الآية؛ بل كذب بالرسالة قال: «من ذهب إلى عراف ذهب ثلثا دينه» وفي حديث آخر «فقد كفر بما أنزل على محمد» وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: «من قال إن محمداً يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية؛ والله تعالى يقول: ﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾.
هذا وقد اعتاد كثير من الناس التردد على بعض العرافين وأرباب التنويم والتنجيم؛ وكثير من هؤلاء يزعم علم الغيب ومعرفته؛ ويقدم لك دليلاً على صدقه: إنباءك بما في يدك - مما يقع عليه بصرك، ويدركه علمك - وهذا ليس من الغيب في شيء؛ بل يدخل تحت قراءة الأفكار. وقد جيء للحجاج بأحد العرافين؛ فأمسك الحجاج في يده حصيات - بعد أن علم عددها - وقال للعراف: كم في يدي؟ فذكره العراف ولم يخطىء. فأمسك الحجاج بحصيات أخر - لم يعدهن - وسأله عن عددها؛ فأخطأ. فسأله عن السبب؟ فقال: إن الأولى قد أحصيتها أنت وعلمتها فخرجت عن حد الغيب، والأخرى لم تحصها فكانت غيباً و ﴿لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾


الصفحة التالية
Icon