﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾ وهو القرن: ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، بأمر ربه تعالى ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ ألا يفزعه. وهم الشهداء: لأنهم ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ والفزع إنما يصل إلى من حيي، والأنبياء: لأن لهم الشهادة مع النبوة. وقيل: هم الملائكة. ويدخل من جملة هؤلاء: المؤمنون الذين عناهم الله تعالى بقوله: ﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ صاغرين منقادين
﴿جَامِدَةً﴾ واقفة لا تتحرك ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ فانظر - يا رعاك الله - إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها: لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر ولو تأملت ما في بطنها من مجاري أكلها، ومسالك أمعائها، وما في رأسها من أعين وآذان، وأداة ذوق وشم ولمس. لو تأملت ذلك لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً وهي مع هذا الضعف والصغر: تفكر في رزقها، وتنقل الحبة إلى جحرها، وتجمع في رخائها لشدتها، وفي حرها لبردها
وانظر أيضاً إلى النحلة في دقة خلقتها، وجمال صنعتها، وعظم منفعتها: تأكل من ثمار الأشجار، وورق النبات والأزهار، وتخرج لنا رحيقاً مختوماً بخاتم الكمال، من صنع ذي الجلال ومنه نتخذ غذاء لذيذاً، وشراباً صافياً، ودواء شافياً. كل ذلك بتقدير العزيز الرحيم، وتدبير الحكيم العليم ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ﴾ من الثواب الجزيل، والأجر الجميل ﴿خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ وبذلك يسلم المؤمنون المحسنون من أهوال القيامة، وينجون من الفزع الأكبر، ويكونون من المستثنين، بقول أصدق القائلين ﴿فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾
﴿فَكُبَّتْ﴾ ألقيت
﴿هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾ مكة شرفها الله تعالى ﴿حَرَّمَهَا﴾ جعلها حرماً آمناً
﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ في أنفسكم، وفي غيركم، و «في الآفاق» ﴿فَتَعْرِفُونَهَا﴾ تعلمونها علم اليقين ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾.


الصفحة التالية
Icon