﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ موسى ﴿أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ أي بلغ نهاية القوة، وتمام العقل والاعتدال؛ وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين، وهو أيضاً بلوغ الحلم ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً﴾ حكمة في فهم الأمور ﴿وَعِلْماً﴾ فقهاً في الدين؛ وذلك قبل أن يبعثه الله تعالى نبياً
﴿وَدَخَلَ﴾ موسى ﴿الْمَدِينَةِ﴾ مدينة فرعون؛ وهي منف، أو منفيس؛ وهي مكان بلدتا البدرشين وميت رهينة؛ بمحافظة الجيزة، وكانت هذه المدينة عاصمة ملك فرعون؛ وفيها قصوره ومعابده ﴿هَذَا مِن شِيعَتِهِ﴾ أتباعه وأنصاره ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ من أتباع فرعون ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ ضربه بجمع كفه «لكمه» ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أي إن هذا التسرع في القتل من عمل الشيطان ووسوسته. ومن هنا نعلم أن التسرع في الحكم على الأشياء: مضيع للتدبر والحكمة، وموجب للأسى والندم؛ وهو من عمل الشيطان وتحريضه وقد حدث ذلك لموسى قبل بعثته؛ أما بعد النبوة: فالشيطان محجوب عن الأنبياء، ممنوع من إغوائهم والوسوسة إليهم؛ ألا ترى إلى قول الحكيم العليم ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ وقول اللعين ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ بارتكاب القتل
﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ أي بحق إنعامك علي بإنجائي، واصطفائي ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً﴾ معيناً ﴿لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ الكافرين
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً﴾ أن يؤخذ فيمن قتله بالأمس ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ يتوقع المكروه ﴿فَإِذَا﴾ الرجل ﴿الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ﴾ طلب نصرته ومعونته ﴿بِالأَمْسِ﴾ ونصره بقتل عدوه ﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يستغيث به على رجل قبطي آخر يقاتله
﴿لَغَوِيٌّ﴾ ضال ﴿مُّبِينٌ﴾ بين الضلال؛ لما فعلته بالأمس، وتفعله اليوم
﴿فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ﴾ موسى ﴿أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا﴾ أي عدو لموسى وللمستغيث به ﴿قَالَ يمُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ﴾ القائل لذلك هو القبطي؛ وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن القائل: هو الإسرائيلي - المستصرخ بموسى - لما رأى من غضب موسى عليه السلام، وقوله له ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ وهو لا يتفق وسياق النظم الكريم ولقوله بعد ذلك لموسى ﴿إِن تُرِيدُ﴾ ما تريد ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ﴾ وهذا القول لا يقوله إلا الأعداء الألداء؛ خصوصاً والقتل السابق قد حصل دفاعاً عن الإسرائيلي، وانتقاماً له


الصفحة التالية
Icon