﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ ممن آمن به. وكان ابن عمته، وابن خالته ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ ظلمهم وتكبر وتجبر فيهم؛ وأعجب بماله وغناه ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ المفاتح: جمع مفتح. والمفتح: هو المفتاح. والمفتاح جمعه مفاتيح. وقيل: المراد بالمفاتح: الأوعية. فيكون المعنى: ما إن خزائنه، وصناديق كنوزه وأمواله ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ لتثقل بالجماعة ﴿أُوْلِي الْقُوَّةِ﴾ أصحاب القوة والشدة ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أي الفرحين: فرح أشر وبطر؛ أما من منّ الله تعالى عليه بنعمة: فاطمأن إليها؛ اطمئنان الواثق بربه، وفرح بها: فهو ممن أحبه مولاه؛ فرضي عنه وأرضاه
﴿وَابْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أي اطلب الآخرة فيما آتاك الله من الثروة والغنى؛ بأن تتصدق، وتصل الرحم؛ ولا تنس أن تبقى لنفسك شيئاً يقيك العوز، ويمنعك من إراقة ماء وجهك ﴿وَأَحْسِن﴾ إلى الناس؛ ولو أساءوا ﴿كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ رغم إساءتك ﴿وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ﴾ بالمعاصي
﴿قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾
أي إنما حصلت على هذا المال بسبب علمي بوجوه المكاسب، وضروب الاتجار. وقيل: كان يشتغل بالكيمياء؛ وهي تحويل بعض المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة - كالذهب - وذلك بواسطة إضافة عناصر أخرى إليها. وقد شغف الكثيرون بذلك العلم؛ وقضوا أعمارهم، وأفنوا أموالهم في ذلك السبيل؛ فلم يحظوا بطائل؛ وحذر كثير من الألباء من ولوج هذا الباب؛ فحذار - أيها المؤمن اللبيب - أن تحاول ما يعكر صفو حياتك، ويشغلك عن عبادتك؛ وانصرف عما لا يفيدك، إلى ما يفيدك ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ الأمم ﴿وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ للمال ﴿وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أي لا يسألون سؤال استعتاب ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ بل يسألون سؤال حساب وعقاب ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقيل: لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم: لظهورها وكثرتها؛ بل يدخلون النار بغير حساب؛ كما يدخل خيار المؤمنين الجنة بغير حساب
﴿فَخَرَجَ﴾ قارون ﴿عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ أي في أبهته: لابساً فاخر الثياب، راكباً فاره المراكب ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ وليس لهم نصيب في الآخرة ﴿يلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ﴾ من الجاه والمال ﴿إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ نصيب كبير في الدنيا
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ الدين، والمعرفة، والحقيقة ﴿وَيْلَكُمْ﴾ أي الويل لكم. والويل: حلول الشر ﴿ثَوَابُ اللَّهِ﴾ جزاؤه في الآخرة ﴿خَيْرٍ﴾ من الدنيا وما فيها، ومن فيها ﴿لِّمَنْ آمَنَ﴾ بالله
-[٤٨٠]- ﴿وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ في دنياه ﴿وَلاَ يُلَقَّاهَآ﴾ أي لا يؤتى الجنة، ولا يدخلها؛ أو لا يوفق للأعمال الصالحة ﴿إِلاَّ الصَّابِرُونَ﴾ على الطاعات، وعن المعاصي