﴿وَعَشِيّاً﴾ وقت العشاء ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ وقت الظهر. والمراد: ليلاً ونهاراً
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ يخرج الدجاجة - وهي حية - من البيضة - وهي ميتة - ويخرج الإنسان - وهو حي - من المني - وهو ميت في ظاهره - ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ يخرج البيضة من الدجاجة، ويخرج المني من الإنسان والحيوان.
وقد ورد في الحديث الشريف: «يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن» وذلك لأن الإيمان: هو الحياة الحقيقية التي يعتد بها وقد شبه الله تعالى الكفار بالموتى في غير موضع من كتابه الكريم (انظر آية ٢٧ من سورة آل عمران) ﴿وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ ينبتها بعد جدبها ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أي وكما يخرج النبات من الأرض - بعد جدبها - بقدرة الله تعالى: تبعثون من القبور - بعد موتكم - بإرادته تعالى
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ علامات قدرته وربوبيته ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ﴾ أي خلق أباكم وأصلكم: آدم عليه السلام ﴿تَنتَشِرُونَ﴾ في الأرض، وتتصرفون فيما فيه معاشكم ومنفعتكم
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ﴾ لتطمئنوا ﴿إِلَيْهَا﴾ وترتاحوا ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ أي جعل بينكم التواد والتراحم؛ بسبب الزواج وقيل: «مودة» بالشابة «ورحمة» بالعجوز. ولا يخفى ما بثه الله تعالى بين الأزواج: من الشفقة والحنان؛ وما أوجبه على كلا الزوجين من المودة، والتفاني في الإخلاص والمحبة وهذا لا يتنافى مع ما يحدث من الشقاق بين الطبقة الدنيا، وذوي النفوس الوضيعة، مما ينشأ من ضعف الأخلاق، وفساد البيئة، ونقص التربية. وكثيراً ما يكون ذلك سبباً في هدم بعض النواميس الطبيعية: فقد يقتل الابن أمه - وهو أحب الناس لديها - والأب ابنه - وهو قرة عينه في الحياة - وما سبب ذلك إلا فساد الطبائع، والانصراف عن الدين الحنيف: الآمر بكل خير، الناهي عن كل شر والآية الكريمة تشير إلى أن الواجب على الزوجين: أن تسود بينهما المودة والحنان، والرحمة والإحسان كيف لا وهما شركاء البأساء والنعماء، والضراء والسراء
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ تعالى أيضاً ﴿خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وما فيهما، ومن فيهما ﴿وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ لغاتكم ﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ فهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أحمر، وهذا أصفر؛ بغير تفريق بين كل منهم في القدر والفضل؛ اللهم إلا بالعلم والتقوى: فالعالم الأسود المتقي ربه: خير من الجاهل الأبيض المفرط في حقوق مولاه ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ومن عجب أن كثيراً من الأمم الغربية - التي تتزعم المدنية الزائفة - اتخذت التفريق العنصري ديدناً وشعاراً: فهم يقتلون الملونين بأوهى الأسباب؛ بل بلا سبب أصلاً؛ ولا يثأرون لهم ممن يعتدي عليهم من أبناء جلدتهم. وقد فاتهم
-[٤٩٤]- أن جميع الكائنات البشرية إخوة، وأن وراء هذه الألوان المتعددة روحاً واحدة لا لون لها؛ وأن إلهاً واحداً هو الذي خلقهم جميعاً، وأودع في كل منهم سره ونوره؛ وأرخى على روح كل واحد منهم ستاراً كثيفاً: هو الجسد؛ وهذا الستار يكون في صقع أبيض، وفي آخر أسود؛ وفي صقع أحمر، وفي آخر أصفر.
ومن آياته تعالى البينات: اختلاف اللغات؛ وقد بلغ عددها في بعض الأصقاع عشرات المئات. وقد قام كثير من الباحثين بحصر اللغات العالمية وإحصائها؛ فزاد ما أحصوه على الثلاثة آلاف، ولم يبلغوا بعد غايتها ونهايتها.
وتستوي اللغات جميعها في وحدة المقصد: وهو الإبانة. ولا فضل لإحداها على الأخرى إلا بالسهولة، ويسر التناول. وقد شرف الله تعالى اللغة العربية بنزول القرآن بها؛ وذلك بسبب حاجة الأمة العربية للهداية؛ ولا يستطيع إنسان - بالغاً ما بلغ من رجحان العقل أو نقصانه - أن يزعم أن اللغة العربية - التي نزل بها القرآن - هي اللغة التي يتخاطب بها ملائكة الرحمن في سمواته، وأنها لغة الله تعالى التي لا يصدر أوامره إلا بها. ألم ينزل بها كتابه؛ وهو كلامه العزيز، وقرآنه الكريم؟
والواقع أن اللغات جميعها - عربيها وعجميها - مخلوقةلله تعالى، وهي إحدى آياته البينات ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾.
وليس من فضل للغة من اللغات على صاحبها: سوى الإبانة التي لم تخلق اللغة إلا لتكون أداة لها.
وكما أوحى ربك إلى الإنسان؛ أوحى أيضاً إلى الحيوان ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ ونتيجة الوحي في الحالتين: هي وصول العلم بالموحي به إلى الموحى إليه - مع اختلاف الوسائل - وكذلك كان وحيه تعالى إلى كثير من خلقه ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ فلم يقل إنسان: أنه تعالى أوحى إليها عن طريق جبريل عليه السلام؛ وإنما كان عن طريق الكشف عما يجب أن يتبع، أو عما فيه الصالح العام للمجتمع الإنساني.
ومن ذا الذي يستطيع أن يجحد أن ما نراه من صنوف المخترعات، وشتى الفنون؛ إنما كان عن طريق الوحي، والتوجيه، والتعليم الإلهي ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
وإلا فأين جهد العقل الإنساني من الكهرباء؛ وهو لم يعلم - حتى الآن - كنهها، ولم يكشف سرها؟ وأين جهد العقل البشري من الرادار، والتليفزيون، والذرة، وما شاكل ذلك؟
إن الإنسان يتوهم أن جميع ذلك كان وليد الصدفة المحضة؛ ولكن هذه الصدفة التي يزعمونها؛
-[٤٩٥]- إن هي إلا وحي خالص من لدن حكيم عليم (انظر آية ٥ من سورة العلق).
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد


الصفحة التالية
Icon