﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً﴾ حجة؛ وكتاباً ﴿فَهُوَ﴾ أي الكتاب ﴿يَتَكَلَّمُ﴾ كلام دلالة؛ لا كلام نطق ﴿بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ أي بصحة شركهم
﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ شدة وضيق ﴿﴾ بسبب ما قدمت ﴿أَيْدِيهِمْ﴾ من ذنوب وآثام ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ ييأسون من رحمة الله تعالى ومعونته ويضيق
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ البسط والتضييق ﴿لآيَاتٍ﴾ لعبر، وعظات، ودلالات؛ تدل على وجود الخالق الرازق؛ الذي ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وبغير سبب ظاهر، ويضيق على من يشاء بغير سبب؛ ومع توافر أسباب الرزق والسعة. فهو تعالى وحده يختص من يريد بما يريد ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ فإذا كنت يا من هداكالله؛ ترغب في فضل الله
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وهو المسافر المنقطع. وقد عرفنا الله تعالى بذلك: أن لذي القربى، والمسكين، وابن السبيل حقوقاً ثابتة في أموالنا؛ يجب بذلها لهم، وأداؤها إليهم. وأن هذه الحقوق ليست تفضلاً منا عليهم؛ بل هي فرض واجب الأداء والوفاء، وأوامر واجبة النفاذ؛ أصدرها من يملك الخلق والرزق، والثواب والعقاب
﴿وَمَآ آتَيْتُمْ﴾ أعطيتم أحداً ﴿مِّن رِّباً﴾ أي من شيء تطلبون زيادته؛ كأن تهبوا هبة أو تهدوا هدية؛ لا بقصد الهبة، ولا بقصد الإهداء؛ بل بقصد الزيادة والتفاخر، والتكاثر ﴿لِّيَرْبُوَ﴾ ليزيد ﴿فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ فيردونه إليكم مضاعفاً؛ فإن هذا العمل إذا جاز أن يربو عند الناس ﴿فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾ لأنه لم يقصد به وجهه الكريم فليس لكم عليه من أجر، ولا ثواب. وهو كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ﴾ أعطيتم وأنفقتم ﴿مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ﴾ بها ﴿وَجْهَ اللَّهِ﴾ مرضاته وثوابه ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ الذين يضاعفون ثواب حسناتهم؛ فيرضيهم ربهم ويرضى عنهم
﴿هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ﴾ الذين تعبدونهم ﴿مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ أي هل من شركائكم من يستطيع أن يبسط الرزق لأحد، أو أن يقدره على أحد؟ أو أن يكشف الضر عن أحد، أو أن يلحقه بأحد؟ أو أن يخلق، أو يرزق؟ أو أن يحيي أو يميت؟
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾ المراد بظهور الفساد: ظهور المعاصي؛ وظهوره: ظهور آثاره وعواقبه ﴿فِي الْبَرِّ﴾ بالجدب، ونقص الثمرات، وذهاب البركة ﴿وَالْبَحْرِ﴾ بقلة ماء المطر، المستمد منه، أو بقلة الأسماك التي تصاد منه، أو بكثرة طغيانه بالفيضان والإغراق ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ من المعاصي ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ ربهم ﴿بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ﴾ أي جزاءه ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن معاصيهم؛ فتعود إليهم أرزاقهم، وتتوافر خيراتهم ومكاسبهم، ويرضى عنهم ربهم


الصفحة التالية
Icon