﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ أي يسخر منهم، ويجازيهم على استهزائهم. وسمي الجزاء باسم العمل؛ كقوله تعالى: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ وقوله جل شأنه: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ يمهلهم ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ وذلك لأنهم ابتدأوا بالكفران؛ فزاد لهم ربهم في الطغيان. والطغيان: تجاوز الحد في العصيان يتحيرون ويترددون
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾ أي الكفر بالإيمان (انظر آية ١٧٥ من هذه السورة)
﴿مَثَلُهُمْ﴾ في طغيانهم ونفاقهم، وزعمهم الإيمان، وإنكارهم له ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ أوقدها، أو طلب إيقادها للإضاءة ﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ واستبدل ظلمته نوراً؛ بالتلفظ بالإيمان؛ وهو قولهم عند ملاقاة المؤمنين: «آمنا» ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ عندما خلوا إلى شياطينهم، و «قالوا» لهم «إنا معكم إنما نحن مستهزئون» ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ وهي ظلمات الكفر، والنفاق، والجهل. والدنيا كلها ظلمات؛ إلا موضع العلم، والعلم كله هباء؛ إلا موضع العمل، والعمل كله هباء؛ إلا موضع الإخلاص. فالإخلاص أس العبادة، وجماع الإيمان والفضائل
﴿صُمٌّ﴾ عن سماع الحق ﴿بِكُمُ﴾ عن النطق به. ﴿عُمْيٌ﴾ عن رؤيته. والصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع. والبكم: الخرس ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عن الظلمات التي يعمهون فيها؛ وذلك لصممهم وعماهم وخرسهم
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أي «مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً» أو مثلهم «كصيب» والصيب: المطر الشديد. وأريد بالصيب: القرآن الكريم
﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ﴾ وهو تمثيل لما فيه من الوعيد الشديد؛ بنيران الجحيم، والعذاب الأليم ﴿بَرِقَ﴾ أي فيه ظلمات الوعيد، ورعد العذاب «وبرق» المعرفة لأنه أريد بالبرق: نور الحجج البينة المنيرة اللامعة ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ﴾ وقاية وحذراً منها. والصاعقة: نار تنزل من السماء؛ عند قصف الرعد. وهل تمنع الأصابع في الآذان، عذاب الملك الديان؟ وكيف تمنع ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ عالم بهم، قادر عليهم؛ لا يفوته شيء من أعمالهم؛ ولا تعجزه أفعالهم؛ فلا يستطيع أحد الفرار من بطشه، أو النجاة من بأسه، أو الخروج عن أمره
﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ لسرعة وميضه، وشدة لمعانه
-[٦]- ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي كلما لمع البرق مشوا مسرعين في ضوئه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي إذا سكت البرق، وخبت ناره، وانطفأ نوره: وقفوا في أماكنهم متحيرين مترصدين خفقة أخرى؛ عسى يتسنى لهم الوصول إلى مقاصدهم


الصفحة التالية
Icon