﴿ذَلِكَ﴾ النظام الدقيق المحكم ﴿بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ﴾ الإله ﴿الْحَقُّ﴾ القادر؛ واجب الوجود، والموجد لكل موجود ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ﴾ ما يعبدون ﴿مِن دُونِهِ﴾ غيره ﴿الْبَاطِلُ﴾ الزائل؛ الذي لا أصل له، ولا برهان عليه ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ﴾ المتعالي عن صفات المخلوقين؛ بالبقاء، والقدرة؛ المتعالي عليهم بالغلبة والقهر ﴿الْكَبِيرُ﴾ العظيم؛ الذي لا يماثله شيء
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ﴾ بالأرزاق والتجارات ﴿لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ﴾ دلائل قدرته؛ من حمل الماء للفلك، والحفظ من مهالك البحر، والهداية إلى مسالكه، والتوفيق إلى أسباب الكسب؛ فقد يقوم تاجران - في وقت واحد - بتجارة متجانسة؛ فيعود أحدهما بالمال الكثير، والربح الوفير، ويعود الآخر بالخسارة والحرمان. وقد يربح الغبي، ويخسر الذكي ﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ كثير الصبر ﴿شَكُورٍ﴾ كثير الشكر
﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ﴾ غطاهم ﴿مَّوْجٌ﴾ شديد ﴿كَالظُّلَلِ﴾ الظلل: جمع ظلة؛ وهي كل ما أظلك من جبل، أو سحاب ﴿دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي متوجهين بقلوبهم إليه مؤمنين حق الإيمان به ﴿فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ أي باق على الإيمان، أو هو بين بين: بين الكفر والإيمان، وقيل: مظهر للإيمان، مبطن للكفر؛ والأول أولى. والمعنى: فمنهم باق على إيمانه وإخلاصه الذي بدا منه وقت شدته، ومنهم من رجع إلى أصله، وعاد إلى كفره ﴿خَتَّارٍ﴾ غدار ﴿كَفُورٍ﴾ شديد الكفر
﴿وَاخْشَوْاْ يَوْماً﴾ هو يوم القيامة ﴿لاَّ يَجْزِي﴾ لا يغني ﴿وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ أي لا يتحمل والد العقوبة عن ولده، ولا مولود العقوبة عن والده؛ بل يجزي كل منهما بما فعل واكتسب
﴿كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾ وذكر تعالى الوالد والولد: لأن الوالد محط الحب والفداء، والمولود محط الرحمة والرجاء؛ فإذا كانا لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً؛ فبالنسبة للأباعد يعز الغناء ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بالبعث والجزاء ﴿حَقٌّ﴾ ليس فيه مراء ﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ الشيطان
﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ كيف تقوم، ومتى تقوم؟ ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ المطر؛ وسمي المطر غيثاً: لأنه يغيث الناس من الجوع والفقر؛ ولذا سمي الكلأ غيثاً: لأنه يغيث الماشية ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ﴾ من الأجنة: ذكراً أو أنثى؟ حياً أو ميتاً؟ شقياً أو سعيداً؟ ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ من خير أو شر ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ فقد يسافر مسافر إلى الصين بلا سبب: فتعاجله المنية وقد يحين حينه وهو في ذروة قوته، ووافر صحته وقد يسافر ليبرأ من علته: فيأتيه الموت لساعته
-[٥٠٤]- وهذه الأمور الخمسة اختص بمعرفتها العليم الخبير وقد يقال: إن علماء الفلك، والأرصاد الجوية؛ قد أصبحوا - بواسطة علمهم وآلاتهم - يعلمون متى تهب الرياح؟ ومتى تنزل الأمطار؟ وهو قول لا يعتد به، ولا يلتفت إليه؛ فكم من مرة وعدوا بالخصب: فحل الجذب، وأوعدوا بالبلاء: فعم الرخاء. وكم من مرة حذروا من البرد: فجاء الحر، ومن الحر: فجاء القر وقولهم لا يعدو التخمين والظن ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ أما اليقين: فلا يعلمه سوى رب العالمين.