﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ﴾ عهدهم على الوفاء بما حملوا، وأن يبشر بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضاً ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ عهداً عظيماً؛ وما ذاك إلا
﴿لِّيَسْأَلَ﴾ الله تعالى ﴿الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾ أي ليسأل الأنبياء عن تبليغهم لأقوامهم، أو عما أجابهم به قومهم. فانظر يا هذا: إذا كان الأنبياء يسألون؛ فكيف بمن عداهم من عامة البشر؟ قال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ وكان ذلك يوم الأحزاب: جاءت قريش، وغطفان، وقريظة، والنضير؛ تجمعوا لحرب المؤمنين ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ هي الصبا. قال: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» أرسل الله تعالى تلك الريح في ليلة شاتية؛ فأسفت التراب في وجوههم، وقلعت الأوتاد، وقطعت الأطناب؛ فماجت خيل الكافرين بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في جوانب المعسكر؛ فانهزموا من غير قتال؛ وذلك قوله تعالى: ﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام
﴿إِذْ جَآءُوكُمْ﴾ أي جنود الأعداء ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ فوق الوادي؛ وهو أعلاه ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ بطن الوادي: من المشرق والمغرب ﴿وَإِذْ زَاغَتِ﴾ شخصت ومالت ﴿الأَبْصَرُ﴾ عن رؤية أي شيء؛ عدا رؤية الأعداء من كل جانب ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ من شدة الخوف والفزع؛ وهو ارتفاع القلب - من شدة الخفقان - حتى يكاد أن يبلغ الحلقوم؛ فيعتري الخائف عند ذاك ضيق قد يبلغ حد الاختناق ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ﴾ تظنون اليأس من النصر؛ وقد وعدكموه؛ ووعده الحق ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين؛ أي تيقن المؤمنون بالنصر، وتيقن الكافرون بهزيمة المؤمنين
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ امتحنوا بالصبر على الإيمان ﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ اضطربوا اضطراباً شديداً من شدة الفزع، وخوفوا خوفاً بليغاً؛ ليختبرهم ربهم، ويعلم - علم ظهور - مبلغ تصديقهم، ووثوقهم بوعده
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ﴾ الذين أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفران ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ بالنصر ﴿إِلاَّ غُرُوراً﴾ خداعاً وباطلاً
﴿يأَهْلَ يَثْرِبَ﴾ يا أهل المدينة.
ويثرب: من أسماء مدينة الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ لا إقامة لكم بيننا ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ أي مكشوفة، ينالها العدو لعدم تحصينها
-[٥١٠]- ﴿إِن يُرِيدُونَ﴾ ما يريدون بزعمهم هذا ﴿إِلاَّ فِرَاراً﴾ من الجهاد؛ لكفرهم وجبنهم