﴿فَادْعُواْ اللَّهَ﴾ اعبدوه أيها المؤمنون ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي مخلصين له وحده الطاعة والعبادة من كل شائبة؛ فقد علمتم ما سيحيق بالكافرين (انظر آية ١٧ من سورة البقرة)
﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ أي عظيم الصفات، أو رافع درجات المؤمنين: في الدنيا، وفي الجنة أي ذو الملك: صاحبه، ومالكه، وخالقه ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ أي يلقى الوحي بأمره ﴿عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ الذين اصطفاهم لرسالته ﴿لِيُنذِرَ﴾ بما ينزله عليهم ﴿يَوْمَ التَّلاَقِ﴾ يوم القيامة؛ ففيه يلتقي الأولون والآخرون، وأهل السموات وأهل الأرضين
﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ ظاهرون؛ لا بظواهرهم وأشكالهم فحسب، بل بأعمالهم وخوافيهم ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ يقول ذلك الملك الجليل؛ ويجيب نفسه بقوله ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ أو تقول ذلك الملائكة، وتجيب عليه سائر الخلائق إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم
﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ بما عملت
﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ يا محمد ﴿يَوْمَ الأَزِفَةِ﴾ يوم القيامة؛ وسميت آزفة: لقربها ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ أي إنهم - من شدة فزعهم ورعبهم - تصعد قلوبهم إلى حناجرهم ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي صديق مخلص؛ يدفع عنهم العذاب
﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ﴾ أي استراق النظر إلى ما لا يحل ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ أي ما تكنه من خير وشر؛ أو يعلم استراق النظر إلى الأجنبية، وما تخفي الصدور من التفكر في جمالها، والرغبة في نيلها؛ في حين لا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته؛ والله يعلم بذلك كله
﴿وَاللَّهُ يَقْضِي﴾ في الدنيا والآخرة ﴿بِالْحَقِّ﴾ الكامل المطلق ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ أي يعبدونهم ﴿مِن دُونِهِ﴾ غيره ﴿لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أصلاً؛ لأنها جمادات لا تستطيع القضاء بالحق ولا بالباطل؛ فكيف تعبد من دون الله وهذا حالها؟
﴿كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ﴾ فقد كانت لهم المصانع، والقصور، والحصون وغير ذلك. وها هي أهرامهم، ومعابدهم، ودورهم، وقبورهم، ونصبهم، وتماثيلهم؛ كل ذلك يشهد بآثارهم التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، والتي لم تصل أخبارها إلى نبيه الصادق عليه الصلاة والسلام؛ فكانت إحدى معجزاته البينات


الصفحة التالية
Icon