﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أي سلوني أعطكم. وقيل: «ادعوني» أي اعبدوني «أستجب لكم» أجب ما تطلبونه من حوائج الدنيا والآخرة
ولو أن الداعي حين يدعو ربه - القادر القاهر - يكون واثقاً بما عنده؛ وثوقه بما عند نفسه؛ لما أبطأت إجابته، ولسعت إليه حاجته، ولكان طلبه رهن إشارته، ووفق رغبته فانظر - هداك الله تعالى ورعاك - إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام: يضع أهله وذريته في مهمه قفر؛ حيث لا كلأ ولا ماء، ولا إنس ولا أنيس؛ فيدعو ربه: واثقاً بما عنده: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع... فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات» فهوت إليهم أفئدة كثير من الناس من سائر الأقطار؛ وحملت المطعومات والثمار؛ من كل صوب وحدب؛ فطعموها قبل أن يطعمها زارعوها وحاملوها أليس هذا من صنع واسع العطاء، مجيب الدعاء؟ (انظر آية ١٨٦ من سورة البقرة) ﴿دَاخِرِينَ﴾ أذلاء صاغرين
﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ ترتاحوا وتناموا ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ تبصرون فيه ما تريدون، وتعملون فيه ما ترغبون ﴿ذَلِكُمُ﴾ الخالق للسموات والأرضين، المالك ليوم الدين، المستجيب للداعين، الجاعل الليل سكناً وراحة للنائمين، والنهار مبصراً للمشتغلين والعاملين «ذلكم» هو ﴿اللَّهِ﴾ رب العالمين ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ مبدع الكائنات وما فيها ومن فيها، وخالق كل ما أحاط به علمكم، وما لم يحط به، وما خطر في أذهانكم، وما لم يخطر لكم على بال ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ وحده؛ واجب الوجود، والعبودية ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ فكيف تصرفون عن معرفته؛ وقد ظهرت لكم الحجج على وحدانيته؟ وعن عبادته؛ وقد بانت لكم الدلالات على قدرته؟ ﴿كَذَلِكَ﴾ أي كما صرفتم عن الحق الواضح، وعن معرفته تعالى؛ مع قيام الأدلة والبراهين على ألوهيته ﴿يُؤْفَكُ﴾ يصرف ﴿الَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ كتبه، ودلائل ربوبيته ﴿يَجْحَدُونَ﴾ يجحدون بها، ولا يلتفتون إليها، ولا يتدبرونها
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً﴾ مستقراً لكم؛ حال حياتكم، وبعد مماتكم ﴿وَالسَّمَآءَ بِنَآءً﴾ سقفاً ثابتاً؛ لا يزول، ولا يحول ﴿ذَلِكُمُ﴾ الذي جعل الأرض قراراً لكم، والسماء بناء فوقكم ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ ورزقكم ما عمله بيديه، ولم تعمله أيديكم، وأسبغ عليكم نعمه بفضله لا بسعيكم «ذلكم»
﴿هُوَ الْحَيُّ﴾ الباقي على الدوام، السامع لدعائكم، المجيب لندائكم ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ ولا معبود سواه ﴿فَادْعُوهُ﴾ اعبدوه ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ صادقين في عبادته، ولا تشركون في طاعته ومحبته ومن الشرك الخفي: أن تفضل
-[٥٨٠]- دنياك على دينك، وأن تحب مالك أكثر من مآلك ﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أن وهبك الإيمان، وهداك بالقرآن، ووفقك إلى الإحسان ووقاك كيد الشيطان


الصفحة التالية
Icon