﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يساقون بكثرة إلى النار؛ بحيث يحبس أولهم على آخرهم
﴿حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا﴾ أي جاءوا القيامة، أو جاءوا الجحيم ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم﴾ يشهد «سمعهم» بما سمع من الغيبة «وأبصارهم» بما رأت من الحرام «وجلودهم» بما ارتكبت من زنا؛ لأن المراد بالجلود: الفروج. والتعبير عن الفروج بالجلود: من الكنايات الدقيقة؛ وإلا فأي ذنب تأتيه الجلود الحقيقية؛ إذا فسرناها على ظاهرها؟
﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ تستخفون من أنفسكم؛ خشية ﴿أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ﴾ وكيف يستخفي الإنسان بذنبه من أعضائه وهي ملتصقة به؟ أو كيف يستخفي بجريمته من جوارحه وهي أداتها، والسبيل إليها؟ ولكنه لما كان هو المسيطر عليها، الدافع لها، المدبر لارتكابها: كان الإثم محيطاً به، والعقاب واقعاً عليه. ولا أدري كيف يعصي الله تعالى عاصيه، أو كيف يجحده جاحده؛ وهو مطلع عليه، وناظر إليه، وجوارحه يوم القيامة شاهدة عليه؟ وما أحسن قول القائل:
هل يستطيع جحود ذنب واحد
رجل جوارحه عليه شهود؟
﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ﴾ من أنه لا يراكم، وأنه ﴿لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ أهلككم، وأوقعكم في النار ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ﴾ وقد كان في استطاعتكم أن تكونوا ضمن الفائزين
﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ أي وإن يطلبوا الرضا: فما هم من المرضيين. وذلك لأن العتاب من علائم الرضا، والعتاب: مخاطبة الإدلال. كما أن التوبيخ: مخاطبة الإذلال
﴿وَقَيَّضْنَا﴾ سخرنا وسلطنا ﴿قُرَنَآءَ﴾ أخداناً من الشياطين ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ وجب عليهم العذاب ﴿فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ﴾ قد مضت
﴿وَالْغَوْاْ فِيهِ﴾ أي شوشوا عليه بكلام ساقط؛ لا معنى له، ولا طائل وراءه
-[٥٨٦]- ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ المؤمنين؛ بهذا اللغو والتشويش


الصفحة التالية
Icon