﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي وما يلقى، ويوفق إلى هذه الخصلة الحميدة - التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان، والدفع بالتي هي أحسن - إلا أهل الصبر، الذين لهم عند ربهم حظ عظيم؛ إذ فازوا بجنته، وحظوا بمعيته «إن الله مع الصابرين... وبشر الصابرين... والله يحب الصابرين... ولئن صبرتم لهو خير للصابرين»
﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ النزغ: الإغراء. أي فإن أغراك الشيطان على ما لا ينبغي؛ من عدم الدفع بالتي هي أحسن، ومقابلة الإساءة بأسوأ منها ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ الجأ إليه، واطلب منه تعالى إنجاءك من كيده وشره فرب شرارة أذكت ناراً، وكلمة أشعلت حرباً؛ وكم رأينا من مجازر بشرية؛ ضاع فيها كثير من الأنفس البريئة؛ بسبب كلمة بسيطة؛ كان علاجها شيء من الحلم، وقليل من الكظم. وذلك من عمل الشيطان الغوي المضل
وَمِنْ آيَاتِهِ} تعالى؛ الدالة على قدرته ووحدانيته ﴿اللَّيْلُ﴾ وقد جعله لباساً؛ لتسكنوا فيه ﴿وَالنَّهَارُ﴾ مبصراً؛ لتبتغوا من فضله ﴿وَالشَّمْسُ﴾ وقد جعلها ضياء ﴿وَالْقَمَرُ﴾ نوراً. خلق الله تعالى كل ذلك لكم؛ ليدل به على وجوده، وَجُوده؛ فاتخذتم منها آلهة تعبدونها ﴿لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ﴾ فإنهما مخلوقان أمثالكم ﴿وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ﴾ المعبود؛ واجب الوجود ﴿الَّذِي﴾ خلقكم، و ﴿خَلَقَهُنَّ﴾ فكيف تعبدون المخلوق، وتذرون أحسن الخالقين؟
﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ﴾ عن عبادة الرحمن، وأصروا على اتباع الشيطان ﴿فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ﴾ من الملائكة عليهم السلام؛ يعبدونه حق عبادته، و ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ﴾ ينزهونه ويقدسونه ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ﴾ لا يملون من عبادته تعالى، وتنزيهه وتقديسه ﴿يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ دلائل قدرته وعظمته وسلطانه ﴿أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ يابسة؛ لا نبات فيها ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ تحركت بالنبات وانتفخت ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا﴾ بالإنبات؛ بعد موتها بالجدب ﴿لَمُحْىِ الْمَوْتَى﴾ يوم القيامة للحساب والجزاء
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ أي يغيرون في معانيها، ويميلون بها عن الحق الذي نزلت به. أو «يلحدون في آياتنا» دلائل قدرتنا؛ التي قدمناها وسقناها؛ من إنزال الماء، وإحياء الأرض. بأن يقولوا: إن نزول الماء، بواسطة الأنواء، وطلوع النبات بطبيعة الأشياء ﴿أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ﴾ بسبب كفره وعصيانه، وإلحاده في آيات الله تعالى ﴿خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً﴾
من العذاب؛ بسبب إيمانه، وصالح عمله ﴿اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ﴾ هو غاية الإنذار والتهديد


الصفحة التالية
Icon