﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً﴾ تقعدون عليها وتمشون وتنامون ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ ماء المطر: ينزل من السماء رأى العين؛ ومنشؤه البحار، وتحمله السحب. قال الشاعر:
كالبحر يمطره الغمام وما له
فضل عليه لأنه من مائه
﴿أَندَاداً﴾ شركاء ونظراء وأمثالاً
﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ شك ﴿مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ محمد من آيات الكتاب المجيد ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ تحداهم أولاً بقوله: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ وبعد ذلك تدرج تعالى معهم - نكاية بهم، وزيادة في توبيخهم - بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ وبعد كل هذا الاحتقار والازدراء؛ أراد أن يستثير كامن همتهم، وماضي عزيمتهم بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ أيّ سورة، بل أيّ آية؛ وأنى لهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثل هذا القرآن الذي أعجز البلغاء، وأخرس الفصحاء؛ وانظر - يارعاك الله - في أي عصر من العصور حصل هذا التحدي؟ إنه في عصر الفصاحة التي لا تمارى، والبلاغة التي لا تجارى، والمنطق الذي لا يلحق له بغبار. وقد وقف الجميع مكتوفي الأيدي، ناكسي الرؤوس؛ لا يستطيعون أن يحيروا جواباً أو أن ينبسوا ببنت شفة ﴿وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم﴾ آلهتكم التي تعبدونها
﴿قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي رزقنا في الدنيا مثله: في المنظر، لا في المخبر ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ من الحيض والأقذار، والأدناس الحسية والمعنوية
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحى﴾ من الحياء؛ جاءت رداً على الكفرة حيث قالوا: أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت. فجاءت على سبيل المقابلة ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ في الحقارة والصغر ﴿يُضِلُّ بِهِ﴾ أي بهذا المثل ﴿كَثِيراً﴾ من المنافقين؛ لكفرهم وعنادهم ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ من المؤمنين؛ لتسليمهم وانقيادهم.
-[٧]- ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ الكافرين؛ لأن الله تعالى لا يضل مؤمناً ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ وإنما إضلال الله تعالى يقع عقوبة لمن يصر على الكفران، ويأبى داعي الإيمان


الصفحة التالية
Icon