﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ﴾ النعيم الزائل، والمتاع الفاني ﴿لَمَّا﴾ إلا ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قليل ثم يزول؛ مشوب بالتنغيص؛ محاط بالأكدار ﴿وَالآخِرَةُ﴾ وما فيها من نعيم مقيم، و ﴿جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ في رحابه؛ أعدها ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ من أحبابه
﴿وَمَن يَعْشُ﴾ يغفل ﴿عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ ويعرض متعامياً عن داعي الإيمان ﴿نُقَيِّضْ﴾ نسخر، ونسلط ﴿لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ مقارن، وملازم له؛ لا يفتأ يزين له القبيح، ويقبح له المليح؛ حتى يورده موارد الهلاك والتلف وذلك بسبب غفلته، وتعاميه عن ذكر ربه
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي الشياطين القرناء ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ ليمنعون الغافلين المتعامين ﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾ عن طريق الهدى
﴿حَتَّى إِذَا جَآءَنَا﴾ ذلك الغافل المتعامي، يوم القيامة ﴿قَالَ﴾ لقرينه الذي صده عن السبيل ﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ أنت؛ إذ أوردتني موارد الحتوف
﴿أَفَأَنتَ﴾ يا محمد ﴿تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ أي كما أنك لا تستطيع إسماع الأصم، أو هداية الأعمى؛ فكذلك لا تستطيع إسماع الكافر، أو هدايته وكيف تهدي من أصم أذنيه عن استماع النصح، وأعمى قلبه عن رؤية الحق لا تستطيع أن تهدي ﴿وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ بين ظاهر
﴿فَإِمَّا﴾ فإن ﴿نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ أي نتوفينك قبل تعذيبهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ في الدنيا
﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾
به من العذاب
﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ طريق قويم
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ أي شرف عظيم لك ولهم ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ عن مدى تمسككم به، ونشركم له
﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ أي اسأل أمم الأنبياء الذين أرسلناهم من قبلك. يؤيده قراءة ابن مسعود ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ وقيل: واسأل رسلنا - حين تلقاهم - ليلة المعراج؛ وقد التقى عليه الصلاة والسلام بكثير منهم؛ كما ورد في كثير من الأحاديث ﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ غيره
﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ يسخرون منها، ويستهزئون بها
﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ﴾ معجزة ﴿إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ في الدلالة على صدق موسى، ووحدانية مرسله. أو المراد بالآية: آية العذاب؛ فقد ابتلوا بالطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم (انظر آية ١٣٣ من سورة الأعراف) ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن كفرهم وتكذيبهم. ومن عجب أنهم - رغم نزول العذاب بهم، وتنوعه وتكرره عليهم - لم يؤمنوا، ولم يرتدعوا، ولم يقولوا في محنتهم وشدتهم: يا أيها النبي، أو يا أيها الرسول، أو يا أيها الصادق؛ بل قالوا


الصفحة التالية
Icon