﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ يريد تعالى أن يد الرسول التي تعلو أيدي المبايعين: هي يدالله؛ لأن الله تعالى منزه عن الجوارح، وعن صفات الأجسام. والمعنى: أن من بايع الرسول فقد بايعالله؛ كقوله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ أو يكون المعنى: يد الله في العطاء، فوق أيديهم في الوفاء. ويده في المنة، فوق أيديهم في الطاعة.
وقد ذهب المجسمة - أخزاهم الله تعالى - إلى أنلله جل شأنه من الجوارح ما للإنسان. وأن كل ما في القرآن من صفاته تعالى: على ظاهرها: كاليد، والرجل، والعين، والأذن، والقيام، والجلوس، والمشي، وغير ذلك. وهو قول أجمع السلف الصالح على بطلانه، وفساده. ونرى تكفير قائله: لاستهانته بقدر مولاه سبحانه وتعالى ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿فَمَن نَّكَثَ﴾ نقض البيعة ﴿فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ لأن إثم نقضه يعود عليه، ويعاقب بسببه
﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ﴾ وهم الذين تخلفوا عن الجهاد ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي لم تشغلهم الأموال والأهل؛ بل شغلهم الجبن والخوف، ولم يطلبوا الاستغفار، رغبة في الاعتذار؛ بل أرادوا به النفاق، وهم كاذبون في استغفارهم، كافرون في قرارة نفوسهم ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً﴾ فهل يستطيع أحد أن يدفعه؟ ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ فهل يستطيع أحد أن يمنعه؟
﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ﴾ لن يرجع ﴿الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ من القتال ﴿إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً﴾ بل إنهم يستأصلون بالقتل والتشريد ﴿ظَنَنْتُمْ﴾ بالله ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ وأنه لن ينصر رسله ﴿وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ أي هلكى
﴿فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا﴾ أعددنا وهيأنا
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَتِ وَالأَرْضِ﴾ وما فيهما، ومن فيهما ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ أي إنه تعالى غني عن عباده؛ يثيب من آمن، ويعذب من كفر ﴿وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾
﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ﴾ الذين تخلفوا عن الجهاد لنفاقهم
﴿إِذَا انطَلَقْتُمْ﴾ في جهادهم ﴿إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ هي مغانم خيبر ﴿ذَرُونَا﴾ دعونا ﴿نَتَّبِعْكُمْ﴾ في أخذ هذه المغانم ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ﴾ وعده لأهل الحديبية؛ وقد وعدهم غنائم خيبر خاصة؛ عوضاً عن فتح مكة؛ إذ رجعوا من الحديبية على صلح، ولم يفوزوا منها بغنيمة. وقيل: ﴿يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ﴾ يغيروه؛ وقد قال: ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً﴾
-[٦٣٠]- ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ أي لم يقل الله ذلك؛ بل تحسدوننا أن نصيب معكم من الغنائم؛ وقد أراد الله تعالى أن يعطي المنافقين فرصة أخيرة تؤمنهم عذابه، وتجنبهم غضبه، وتدنيهم من رحمته: فقال لرسوله عليه الصلاة والسلام


الصفحة التالية
Icon