﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ﴾ بغير مناداة لك ﴿حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ﴾ من غير إزعاج. وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ليس كسائر البشر؛ فربما كان ينزل عليه الوحي وقت ندائهم له، أو كان يناجي مولاه ويستغفر لأمته؛ وفي هذا من الخير العام ما لا يخفى؛ فضلاً عما في المناداة من سوء الأدب، وعدم المجاملة (انظر آية ٣٠ من سورة الأحزاب)
﴿إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ﴾ أي فتثبتوا من قوله؛ وتبينوا صوابه من خطئه. والفاسق: العاصي. والعصيان: يشمل الكذب، والغيبة، والنميمة ﴿أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ﴾ أي لئلا تصيبوا قوماً وأنتم تجهلون حقيقة أمرهم
﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي لو يسمع وشاياتكم ويصغي لإرادتكم؛ لوقعتم في الجهد والهلاك. والعنت: الإثم، والمشقة، والهلاك
﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ﴾ لمزيد كرمه، وعميم فضله ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ﴾ فاعتنقتموه ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فتمسكتم به ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ﴾ فحاربتموه ﴿وَالْفُسُوقَ﴾ فاجتنبتموه ﴿وَالْعِصْيَانَ﴾ فلم تقربوه ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الذين حبب إليهم الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ﴿هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ العقلاء، الأذكياء؛ لأنهم قبلوا الإيمان: فحببه الله إليهم، وزينه في قلوبهم. واتبعوا مرضاتالله: فباعد بينهم وبين معاصيه
﴿فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ﴾ اختصهم به ﴿وَنَعْمَةٍ﴾ منه تعالى أسبغها عليهم
﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى﴾ بأن ظلمتها، ونقضت الصلح، أو أبته ﴿حَتَّى تَفِيءَ﴾ ترجع ﴿إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ إلى الحق الذي أمر به الله، وإلى الصلح الذي دعيت إليه ﴿فَإِن فَآءَتْ﴾ رجعت إلى أمر الله، وقبلت الصلح الذي فرضته عليها جماعة المسلمين وتوقفت عن بغيها واعتدائها ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ الذي يرتضيه الله تعالى ﴿وَأَقْسِطُواْ﴾ واعدلوا في كل أموركم
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ جميعاً ﴿إِخْوَةً﴾ لا يصح أن تقوم بينهم عداوة، ولا أن ينتصب بينهم قتال، ولا يجوز أن يكون بينهم تباغض؛ فكيف يختصمون؟ بل كيف يقتتلون؟ وإذا اختصموا أو اقتتلوا؛ فكيف تتركونهم على هذه الحال؟
-[٦٣٥]- ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ والسعي في الصلح: واجب على كل مسلم يمكنه السعي فيه؛ وهو يبلغ حد الفريضة، وتركه يبلغ حد الكبيرة وتاركه - مع القدرة على القيام به - عاص مولاه، آثم في حق المروءَة والإنسانية، وليس من حقه أن ينتسب للأمة المحمدية؛ بل للأسرة الآدمية


الصفحة التالية
Icon