﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ الكبائر: كل ما أوعد الله تعالى عليه بالنار. والفواحش: ما شرع فيه الحد ﴿إِلاَّ اللَّمَمَ﴾ وهو صغار الذنوب؛ كالنظر إلى الأجنبية، واللغو من القول، أو «اللمم»: ما يلم بالإنسان من الذنوب فجأة؛ من غير روية أو قصد ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ﴾ جمع جنين وهو الولد في بطن أمه ﴿فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ﴾ لا تمدحوها معجبين بها ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ فيزكيه بفضله، ويعليه بكرمه
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾ كفر بعد إيمانه. قيل: هو الوليدبن المغيرة؛ وكان قد اتبع الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ فعيره بعض الكفار، فقال له الوليد: إني اتبعت محمداً خشية عذابالله؛ فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى كفره؛ تحمل عنه عذابالله. فارتد الوليد، وأعطاه بعض الذي وعده وشح بالباقي؛ وذلك معنى قوله تعالى:
﴿وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى﴾ أي ومنع باقي عطائه
﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى﴾ التوراة صحف
﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ أي وفى بكل ما يوجبه الإسلام: من إيمان يقيني بالله، ومعرفة حقيقية له تعالى؛ من غير تقليد. قيل: كان يقول كلما أصبح وأمسى «سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون»
﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي لا تحمل نفس إثم نفس أخرى. وقد ورد هذا المعنى في سائر الكتب السماوية؛ ومنها صحف موسى وإبراهيم
﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ أي إلا ثواب سعيه هو بنفسه لنفسه؛ أما عمل غيره له فلا. ولا ينافي ذلك الحديث الصحيح؛ عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له» وذلك لأن الصدقة الجارية: من عمله، والعلم المنتفع به: من سعيه، والولد الصالح: ثمرة تنشئته وتأديبه وتهذيبه
﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ﴾ عمله في الدنيا ﴿سَوْفَ يُرَى﴾ يتكشف، ويجزى عليه في الآخرة
﴿وَأَنَّهُ هُوَ﴾ جل شأنه ﴿أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ خلق الضحك والبكاء، والسرور والحزن؛ بخلق أسبابهما: فقد يضحك الضاحك؛ وأسباب البؤس والشقاء تكتنفه من كل صوب وحدب. ويبكي الباكي وأسباب النعمى والسرور تحيط به من كل جانب. فهو جل شأنه باعث نعمة السرور لأناس ليعوض عليهم بعض ما فاتهم من أنعم، وهو عز سلطانه منزل نقمة الحزن على أناس جزاء ما فرطوا في جنبه، وأفرطوا في ارتكاب محارمه


الصفحة التالية
Icon