﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ عزيز جليل
﴿فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ مصون؛ وهو اللوح المحفوظ. وقد ذهب بعضهم إلى أنه المصحف
﴿لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ الملائكة عليهم السلام بأمر ربهم. ولا حجة لمن يقول: بتحريم مس المصحف لغير المسلم، ولغير المتوضىء؛ اللهم إلا إذا كان بقصد امتهانه؛ وحينئذٍ لا يكون حراماً بل كفر يقتل فاعله وقد نزل القرآن - حينما نزل - للناس أجمعين - كافرهم ومؤمنهم، طائعهم وعاصيهم - فكيف نحرم مسه على أناس أنزل إليهم، وأريد به هدايتهم؟
﴿تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ نزل به الروح الأمين، على قلب محمد لينذر به الخلق أجمعين
والقرآن الكريم - ولو أنه نزل بلسان العرب ولغتهم - غير أنه لا يساويه قول مهما علا، ولا كلام مهما سما؛ لأنه قول المنزه عن المثال والشبيه، المتعالي عن الصفات والأنداد
وحسب القرآن جلالة ومجداً: أن الأربعة عشر قرناً التي مرت عليه لم تستطع أن تذهب ببهاء أسلوبه الذي لا يزال غضاً كأن عهده بالسماع أمس وإن الإنسان ليقرأ كلام أحب الناس إليه؛ فيمجه بالتكرار، ويعافه على مر الأيام. أما القرآن الكريم فكلما زدته تلاوة: ازداد حلاوة وكلما زدته عناية: ازداد لك رعاية وإذا استمسكت به: استمسك بك؛ حتى يسلمك إلى منزله تعالى فيعطيك من نعمته حتى يكفيك، ويفيض عليك من كرمه حتى يرضيك
ومن أعجب العجب: أن يحن الإنسان إلى استماع القرآن، ويطرب لتلاوته؛ ولو لم يفهم معناه، أو تبلغ ألفاظه أذنيه أدام الله تعالى علينا نعمة القرآن، وزادنا له حباً، وبه تمسكاً
﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ﴾ أي أبهذا القرآن أنتم متهاونون مكذبون؟ يقال: دهن الرجل؛ إذا نافق. والمداهن: المظهر خلاف ما يبطن
﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ أي وتجعلون شكر رزقكم: أنكم تكذبون برازقكم وخالقكم
﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا ﴿إِذَا بَلَغَتِ﴾ الروح ﴿الْحُلْقُومَ﴾ عند الموت. والحلقوم: ممر الطعام والشراب
﴿فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ فهلا إن كنتم غير مربوبين؛ تدينون لإله، أو غير محاسبين، ولا مجزيين؛ ولكم قدرة على البقاء والإبقاء؛ بغير استعانة بخالق الأرض والسماء: المحيي المميت، المبدىء المعيد
﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾ أي ترجعون تلك الروح التي بلغت الحلقوم إلى البدن ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيما تزعمونه


الصفحة التالية
Icon