﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أن لو جعلنا للجبل تمييزاً كما جعلنا لكم، وأنزلنا عليه هذا القرآن؛ بوعده ووعيده: لخشع وخضع، واستكان وتشقق؛ خوفاً من الله تعالى ومهابة له، واعترافاً بوجوده وقدرته أو أريد بالجبل كما هو، وأنه - كسائر الجمادات - كائن يسبح دائباً بحمد الله تعالى ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ وأنه لو ألقي عليه القرآن: لما وسعه إلا الخشوع، ولما كان من شأنه إلا التصدع من خشية الله تعالى.
أو هو كقول القائل للسامع المعاند: لقد قلت لك قولاً يفهمه الحمار. ومن المعلوم أن الحمار لن يفهم؛ ولكنه دليل على قوة الحجة، وأنها مفهمة مفحمة ولكن السامعين لها كانوا أحط من البهائم، وأخس من السوائم، وأصم من الجمادات
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ ما غاب عن الأنظار، ودق على الأسماع ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾ ما شوهد وبان للعيان. لأن من يعلم ما غاب؛ فإنه لما ظهر أعلم
﴿الْمَلِكُ﴾ الذي لا يزول ملكه ﴿الْقُدُّوسُ﴾ المنزه عن كل قبيح. ومن تسبيح الملائكة له سبحانه: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) جل شأنه، وعز سلطانه ﴿السَّلاَمُ﴾ الذي سلم الخلق من ظلمه، وعم الكون عدله، وسلم كل من لجأ إليه واحتمى به. وهو الاسم الكريم الذي تدعو به الأنبياء يوم القيامة: يا سلام، يا سلام، يا سلام سلمنا الله تعالى من غضبه. ووقانا عقوبته، وأدخلنا جنته؛ بحرمة أسمائه ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ واهب الأمن؛ الذي يأمن عذابه من أطاعه ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ الرقيب، الحافظ لكل شيء ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب؛ الذي لا يغلب، ولا يناله ذل ﴿الْجَبَّارُ﴾ العالي العظيم؛ الذي يذل له من دونه: والكل دونه ﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾ ذو العظمة والكبرياء ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزه وتعالى وتقدس؛ من هذه أسماؤه وتلك صفاته
﴿الْبَارِىءُ﴾ الموجد للأشياء؛ بريئة من النقص والتفاوت ﴿لَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ (انظر آيتي ١٨٠ من سورة الأعراف و١١٠ من سورة الإسراء) ﴿يُسَبِّحُ لَهُ﴾ ينزهه ويقدسه.
هذا وقد ختمت هذه السورة المباركة بمثل ما بدئت به: فقد كان بدؤها «سبح لله» بصيغة الماضي، وختامها «يسبح له» تعالى؛ بصيغة المضارع. فتعالى من سبح له كل مخلوق، وسبحت له سائر الأشياء


الصفحة التالية
Icon