﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم السابقة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ﴾ أي كيف إنكاري لهم على هذا التكذيب؛ بإنزال العذاب بهم، وإهلاكهم
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ من دلائل قدرتي ووحدانيتي ﴿إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ﴾ في جو السماء ﴿صَافَّاتٍ﴾ باسطات أجنحتهن ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ يضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ حال طيرانهن في الهواء ﴿إِلاَّ الرَّحْمَنُ﴾ لأنه تعالى مسخر الهواء؛ ولو شاء لأمسكه؛ فلا يجدي الطائر طيرانه، ولم تفده أجنحته؛ مهما قبضها أو بسطها؛ وكيف لا يمسك الطير حال طيرانه؛ من يمسك الفلك حال دورانه، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ﴾ يعني إذا علمتم أنه تعالى قادر على أن يخسف بكم الأرض فيهلككم، وأن يرسل عليكم حاصباً فيفنيكم؛ فمن هذا الذي هو جند لكم: تلجأون إليه، وتحتمون به؟
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ﴾ الله تعالى عنكم ﴿رِزْقَهُ﴾ الجواب: لا أحد. ولكن الكافرين لا يسمعون، ولا يعقلون ﴿بَل لَّجُّواْ﴾ تمادوا ﴿فِي عُتُوٍّ﴾ عناد واستكبار ﴿وَنُفُورٍ﴾ من الإيمان، واتباع الطريق السوي
﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ﴾ ساقطاً على وجهه؛ يتعثر في كل خطوة؛ لما هو فيه من الظلام. وهو مثل ضربه الله تعالى للكافر. أي أهذا الذي يمشي مكباً على وجهه؛ يتعثر في ظلمات الكفر والجهل ﴿أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً﴾ مستوياً معتدلاً؛ يرى بنور الله، ونور الإيمان ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾ طريق ﴿مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو الإسلام. وهو مثل ضربه الله تعالى للمؤمن. فالكافر «يمشي مكباً على وجهه» والمؤمن «يمشي سوياً على صراط مستقيم»
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ﴾ من لا شيء، ومن غير مثال سبق ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾
خص الله تعالى بالذكر هذه الحواس: لأنها مناط العلم، وأداة الفهم
﴿ذَرَأَكُمْ﴾ خلقكم ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ يوم القيامة؛ للحساب والجزاء
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ أي متى يكون الحشر والجزاء الذي تعدنا به؟
﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ﴿وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ﴾ أي منذر بوقوعها، وما يحدث فيها ﴿مُّبِينٌ﴾ بيّن الإنذار، واضحه ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي الحساب والعقاب يوم القيامة ﴿زُلْفَةً﴾ قريباً. والزلفة والزلفى: القربى والمنزلة ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي ساءها رؤية العذاب؛ فاسودت وعلتها الكآبة، وغشيتها القترة ﴿وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أي تذكرون ربكم وتطلبون منه أن يعجله لكم. وقريء «تدعون» من الدعاء؛ أي تطلبون. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾


الصفحة التالية
Icon