﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ﴾ أقسم تعالى بالقمر؛ لما فيه من النفع العميم. فبه تنضج المزروعات، وبه يحدث المد والجزء في البحار؛ وبهذا المد والجزر - الذي يحدث كل يوم وليلة - تتنفس الأرض؛ لأن المياه للأرض كالرئة، والهواء كالنفس؛ فإذا ما حدث الجزر - وهو انحسار الماء عن شواطىء البحار، وارتفاعه في وسطها - كان ذلك بمثابة الزفير. وإذا حصل المد - وهو رجعة المياه إلى الشواطىء، وعودتها إلى مستواها السابق - كان ذلك بمثابة الشهيق؛ وبذلك يتم في الكون والكائنات ما أراده لهما مبدعهما؛ من نمو، ونضج، ومعيشة؛ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ *
وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ} أي أضاء. أقسم تعالى أيضاً بإدبار الليل، وإسفار الصبح؛ لأن فيهما وقت صلاة الفجر؛ وفي هذا الوقت ما فيه من التجليات؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾
﴿إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ أي إن سقر لإحدى البلايا والدواهي الكبير
﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ﴾ لفعل الخير ﴿﴾ عنه
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ من شر ﴿رَهِينَةٌ﴾ أي كل نفس مذنبة مرهونة بذنبها؛ فلا يفك رهنها حتى تؤدي ما عليها من العقوبات. ومنها ما يحبس في النار أبد الآبدين، ودهر الداهرين
﴿إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ إلا المسلمين؛ الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون؛ فإنهم
﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ فيما بينهم
﴿عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ قائلين لهم ما الذي أدخلكم فيها، وجعلكم من سكانها؟
﴿قَالُواْ﴾ لأنا ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ أي لم نك في زمرة المؤمنين بربهم، المصلين له
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ كما كانوا يطعمون
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ﴾ في الباطل
﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ يوم الجزاء؛ وهو يوم القيامة
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ الموت، أو القيامة التي كنا نكذب بها
﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ﴾ عن تذكرة الله تعالى لهم بهذا القرآن لا يستمعون لها؛ فيتعظون بها. وهم في إعراضهم وتوليهم وانصرافهم عن الحق
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ وهي الحمر الوحشية، الغير المستأنسة: التي تجمح وتنفر
﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾ أي فرت من الأسد، أو فرت من الرامي للسهام. وقد كانوا يسمونه «قسورة» أو هو القانص. شبه تعالى انصرافهم عن الإيمان، وإدبارهم عن الهدى: بالحمر المستنفرة؛ إذا رأت أسداً مفترساً، أو صائداً مقتنصاً
﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ أي يريد كل واحد منهم أن يكون
-[٧٢١]- نبياً، ويؤتى صحفاً تنشر وتقرأ على الناس؛ كصحف الأنبياء. أو يريد كل واحد منهم أن ينزل له كتاباً خاصاً؛ يراه نازلاً من السماء باسمه


الصفحة التالية
Icon