﴿يُنَبَّأُ الإِنسَانُ﴾ أي يجازى ﴿يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ﴾ في الدنيا من عمل: خير أو شر ما ﴿آخَرَ﴾ من هذه الأعمال بعد موته. ذلك لأنه يستن بمن مات - في الحسنات والسيئات - فيثاب بأجر من عمل بحسناته، ويجازى بعقوبة من تبعه في سيئاته. قال: «من سن سنة حسنة: فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة: فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة» فذلك معنى قوله تعالى: «وأخر» أو «بما قدم» من المعصية «وأخر» من الطاعة. أو يحاسب «بما قدم» من خير أو شر «وما أخر» منهما؛ فيعاقب على ما قدم من شر، وأخر من خير، ويثاب على ما قدم من خير، وأخر من شر
﴿بَلِ الإِنسَانُ﴾ أي أعضاؤه وجوارحه التي تتكون منها نفسه ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾ على ذاته ﴿بَصِيرَةٌ﴾ مبصرة لما يعمل ويرتكب في الدنيا؛ فتكون شاهدة عليه يوم القيامة. أو «بصيرة» بمعنى حجة. أي هو بنفسه على نفسه حجة. وقد جاء في القرآن الكريم الحجة بمعنى البصيرة؛ في غير موضع: قال تعالى: ﴿قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾
﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ أي ولو بسط يوم القيامة أعذاره، وحاول التخلص من ذنوبه، والتبرؤ منها
﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ﴾ أي بالقرآن ﴿لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ أي لتعجل بقراءته. وقد كان الرسول يأخذ في قراءة القرآن قبل فراغ جبريل منه؛ خشية أن يغيب عن ذهنه منه شيء
﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ في صدرك ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ وإثبات قراءته على لسانك
﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ أي قرأه عليك جبريل بأمرنا
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أي بيان ما أشكل عليك فهمه
﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ الدنيا؛ لمتاعها الزائل؛ وزخرفها الباطل
﴿وَتَذَرُونَ﴾ تتركون وراء ظهوركم ﴿الآخِرَةَ﴾ فلا تعملون لها
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ﴾ هي وجوه المؤمنين؛ تكون يومئذٍ حسنة مضيئة؛ لأنهم كرهوا الدنيا وباعوها، وأنفقوا ما اتفق الأكثرون على حفظه والحرص عليه، وأحبوا الآخرة، وعملوا لها
﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ بلا كيفية، ولا جهة. وقال جار الله الزمخشري: ﴿نَاظِرَةٌ﴾ أي منتظرة ثواب ربها. وهو قول وجيه من حيث تنزيهه تعالى عن رؤية المخلوقين ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾
﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ كالحة، شديدة العبوس ﴿فَاقِرَةٌ﴾ داهية عظيمة، تقصم فقار الظهر
﴿كَلاَّ﴾ ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة ﴿إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ أي إذا بلغت الروح التراقي؛ وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر؛ وهو كقوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾
﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ أي تقول الملائكة: أيكم يرقى بروحه؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ أو قال أهله: من يرقيه ليشفيه؟
-[٧٢٣]- أو هل من طبيب ينجيه؟