﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ﴾ وهو ما رق من الديباج؛ أي يعلو أهل الجنة «ثياب سندس» بمعنى أنهم يلبسونه ﴿وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ ما غلظ من الديباج ﴿وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ وفي مكان آخر من القرآن الكريم «من ذهب» فعلم أنه سيجمع بين الاثنين في التحلية. أو أريد أن يجمع بين نفاسة الذهب، وصفاء الفضة وبياضها. ألا ترون إلى الذهب الأبيض؛ وقد علا وغلا عن الذهب الأحمر والأصفر؟ وإلى معدن البلاتين؛ وقد امتاز عن الذهب بالصفاء، والغلاء؛ فقد يبلغ ثلاثة أضعاف الذهب في الثمن والقدر؛ مع امتيازه ببياض الفضة
﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ مقبولاً، مرضياً، محموداً
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ البكرة: ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، والأصيل ما بين الظهر والعصر. والمراد بذلك: المداومة على ذكره تعالى وتذكره في كل الأوقات وأريد بالذكر: الصلاة. فالبكرة: صلاة الصبح، والأصيل: الظهر والعصر
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾ المغرب والعشاء ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ أي وسبح في الليل تسبيحاً كثيراً
﴿إِنَّ هَؤُلآءِ﴾ المشركين ﴿يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ الدنيا ﴿وَيَذَرُونَ﴾ يتركون ﴿وَرَآءَهُم﴾ خلف ظهورهم العمل للآخرة ﴿يَوْماً ثَقِيلاً﴾ شديداً؛ وهو يوم القيامة
﴿وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ﴾ قويناهم، وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. أو الأسرة بمعنى الكل. ومنه قولهم: خذه بأسره؛ أي خذه كله. فيكون معنى «وشددنا أسرهم» قوينا سائر أعضائهم وأجزائهم: كل عضو بما يحتاج إليه؛ من لحم، ودم، وعظم، وعصب، وغضروف
﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ السورة، وما فيها من بدء خلقة الإنسان وتدرجها، وهدايته السبيل؛ بواسطة الحواس التي خلقها الله تعالى، والأعضاء التي ركبها فيه، وما أعد للكافرين من عذاب أليم، وللمؤمنين من نعيم مقيم، وأمره لرسوله وخيرته من خليقته؛ بالصبر على أذى الكافرين، ومواصلة ذكر رب العالمين، والصلاة له بكرة وأصيلاً، وتسبيحه ليلاً طويلاً إن جميع ذلك عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ ﴿فَمَن شَآءَ﴾ الجنة ونعيمها ﴿اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ طريقاً يرضيه عنه ويوصله إليه؛ وليس هناك من طريق يوصل إلى الله تعالى: سوى اتباع أوامره، والتزام طاعاته
﴿وَمَا تَشَآءُونَ﴾ شيئاً ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ أن تفعلوه، ولن يشاء سبحانه وتعالى لكم فعل الخير؛ إلا إذا أخذتم في أسبابه؛ لأنه تعالى لا يشاء لإنسان الإيمان، وقد أصم سمعه عن استماع الهدى، وغطى قلبه عن تفهم الحجج والآيات والمعجزات؛ ولن يشاء جل شأنه لإنسان دخول الجنان،
-[٧٢٦]- وقد أعلن الكفران، وجاهره بالعصيان، وعاث بالفساد، وظلم العباد؛ وأكل أموالهم، وحرم فقيرهم وكيف يشاء الله تعالى لإنسان الخير وقد انصرف عنه؟ أو كيف يريد له الإيمان، وقد صد عنه؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً﴾ بخلقه ﴿حَكِيماً﴾ في صنعه فحذار أيها المؤمن أن تقول ما قاله الجاهلون: من أنه تعالى يسلك الكفر في قلوب الكافرين فحاشاه تعالى أن يكون من الظالمين واذكر قوله جل شأنه: ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ واعلم أن ما استوجب الحمد: فمنالله، وما استوجب الاستغفار: فهو منك (انظر آية ٢٠٠ من سورة الشعراء)


الصفحة التالية
Icon