﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ أي أقسم ﴿بِالْخُنَّسِ﴾ الكواكب الرواجع لأنها تذهب وتجيء، أو هي الكواكب كلها؛ لأنها تختفي نهاراً، وتظهر ليلاً
﴿الْجَوَارِ﴾ السيارة، التي تجي مع الشمس ﴿الْكُنَّسِ﴾ التي تختفي تحت ضوء الشمس. وكناس الظبي: بيته
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ أدبر بظلامه
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ أقبل. ولا يخفى ما في مجيء الصبح من النسيم، والروح؛ الذي يشبه التنفس. وجميع ما تقدم: قسم؛ وجوابه:
﴿إِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ هو جبريل عليه السلام؛ وقد أسند إليه: لأنه هو الذي نزل به
﴿مَكِينٍ﴾ ذي جاه ومكانة
﴿مُّطَاعٍ ثَمَّ﴾ أي مطاع هناك في السموات؛ يطيعه أهلها ﴿أَمِينٍ﴾ على الوحي المكلف بإنزاله
﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ﴾ محمد ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ وقد استدل الزمخشري بهذه الآيات على تفضيل الملك على الرسول؛ وهو استدلال باطل؛ لأنها لم ترد على سبيل التفضيل؛ بل جاءت تكذيباً لقولهم:
﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ وقولهم: ﴿أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ وهذا وإن كان فيه غلو من جانب الزمخشري في تفضيل الملك على الرسول؛ فقد تغالى أقوام بقولهم: إن عوام البشر: أفضل من عوام الملائكة. والذي أراه - ويراه كل منصف - أننا لو استثنينا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: كانت الملائكة أفضل من البشر؛ لما ميزهم الله تعالى به من الطاعة المطلقة ﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وما اختصهم به من القرب ﴿يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ (انظر آية ٢٩ من سورة الحجر)
﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام على صورته الملائكية بمطلع الشمس
﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ أي وما محمد على تبليغ ما أوحي إليه، وتعليمه للبشر بمقصر بخيل. وقرىء «بظنين» أي بمتهم
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ﴾ هو نفي لقولهم: إن القرآن كهانة وسحر
﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ أي فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريق؟
﴿إِنْ هُوَ﴾ أي القرآن: ما هو ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ تذكرة وتبصرة
﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ أي لمن شاء الاستقامة؛ بالدخول في الإسلام. ومن هنا علم أن الإيمان والاستقامة في وسع كل إنسان، ووفق مشيئته؛ ولا يمنع ذلك قول الحكيم العليم
﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ إذ أنه جل شأنه: ﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ ولا يفعل عز سلطانه ما لا يرضاه فمتى فتح الإنسان مغاليق فهمه، وأبدى استعداده لتلقي كلام ربه: أعانه الله تعالى على نفسه، ودفع عنه بأس شيطانه أما إذا ركب رأسه، ووضع أقفال الجهل على قلبه، وأصم سمعه عن الهداية، واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإن الله تعالى يمد له في ضلاله، ويزيد في خباله ﴿لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ وليس معنى ذلك أن الحكيم العليم فرض
-[٧٣٧]- عليهم الكفر فرضاً، وألزمهم به إلزاماً، وقسرهم عليه قسراً


الصفحة التالية
Icon