﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾ أي ليتجاوز الحد؛ فتطمح نفسه إلى نيل ما لم ينل، ويتطلع ببصره إلى السماء؛ متخطياً ما رسمه الله تعالى له في الكون، خارجاً على سنن الطبيعة التي أوجدها الله؛ راغباً بلوغ الكواكب؛ وما هو ببالغها
﴿أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ أي أن رأى نفسه غنياً بالمال، الذي رزقه الله ليتصدق به، متسلحاً بالعلم؛ الذي وهبه الله ليفيد به، ويستفيد منه
﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ المرجع؛ فيجازي الكافر على كفرانه، والطاغي على طغيانه
﴿أَرَأَيْتَ﴾
أيها السامع؛ وهي للتعجب في مواضعها الثلاثة من هذه السورة {الَّذِي يَنْهَى *
عَبْداً إِذَا صَلَّى} كأنه تعالى يقول: ما أسخف عقل من يطغى به الكبر والكفر؛ فينهى عبداً من عبيد الله تعالى عن صلاته قيل: إن أبا جهل قال في ملإ من قريش: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن عنقه. وكان يصلي مرة فألقوا عليه - حين سجد - سلا جزور، وكثيراً ما كانوا يتحينون صلاته؛ فيخصونه بصنوف من الإيذاء، وضروب من الاستهزاء
﴿أَرَأَيْتَ إِن كَانَ﴾ هذا المصلي {عَلَى الْهُدَى *
أَوْ أَمَرَ} الذي ينهاه ﴿بِالتَّقْوَى﴾ أي أمره باتقاء الله تعالى وخشيته فيما يفعل. وقيل: «أرأيت» ذلك الناهي «إن كان على الهدى» فيما ينهى عنه من عبادة الله، أو كان آمراً بالمعروف والتقوى؛ فيما يأمر به من عبادة الأوثان؛ كما يعتقد
﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ أي إن كان على التكذيب للحق، والتولي عن الدين الصحيح
﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ كل هذا فيجازيه عليه
﴿كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ﴾ عما يفعل ﴿لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ﴾ لنأخذن بناصيته، ولنسحبنه بها إلى النار.
والناصية: شعر مقدم الرأس
﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ وصف الناصية بذلك مجازاً، وأراد به صاحبها
﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ أي ليدع أهل ناديه؛ وهم خلانه وأصدقاءه؛ الذين يجلسون معه في ناديه؛ وكان - في دنياه - يعتز بقوتهم، ويتطاول بشوكتهم. والنادي والندى: المجلس الذي يجلس فيه القوم؛ ويسمع بعضهم فيه نداء بعض. والمعنى: ليدع اليوم من كان يستنصر بهم في الدنيا؛ فإنهم لن يستجيبوا لدعائه، ولا لندائه، ولن يسمعوه، وإن سمعوه فلن يستطيعوا نصرته
﴿سَنَدْعُو الزَّبَانِيَةَ﴾ ملائكة العذاب؛ فنقول لهم: «خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه» و «الزبانية» الشرطة؛ أطلقت على ملائكة العذاب؛ لأن الشرطة يدفعون بالمجرمين إلى السجون، وملائكة العذاب يدفعون بالكافرين إلى النار
﴿كَلاَّ﴾ ردع وزجر لذلك العاتي الطاغي: الناهي عن الصلاة، وعن عبادة الله وردع عن طاعته واتباعه
-[٧٥٨]- ﴿لاَ تُطِعْهُ﴾ في ترك الصلاة ﴿وَاسْجُدْ﴾ لله؛ وداوم عليها ﴿وَاقْتَرِب﴾ وتقرب إلى ربك بالسجود؛ فإن «أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد»