ونصب (بُعْدًا) على المصدر وفيه معنى الدعاء، ويجوز أن يكون من قول الله تعالى، ويجوز أنّ يكون من قول المؤمنين.
وقد جمعت هذه الآية من عجيب البلاغة أشياء:
منها - أنّ الكلام خرج مخرج الأمر على جهة التعظيم لفاعله من نحو: كن فيكون، من غير معاناة ولا لغوب.
ومنها - حسن البيان في تقدير الحال.
ومنها - الإيجاز من غير إخلال.
ومنها - تقبل الفهم على أتم الكمال.
إلى غير ذلك من المعاني اللطيفة، وقد رأيت في معنى هذه الآية في نصف سفر من أسفار التوراة. وأنت تراها هاهنا في غاية الإيجاز والاختصار والبيان؛ ويروى أنّ كفار قريش لما تعاطوا معارضة القرآن عكفوا على لباب البر ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوماً، لتصفوا أذهانهم، وكانوا من فصحاء العرب، وأخذوا فيما أرادوا، فلمَّا سمعوا هذه الآية قال بعضهم لبعض: هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى)
السلام في الكلام على أربعة أوجه:
السلام التحية، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، ومنه قوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)، والسلام جمع سلامة مثل حمام وحمامة، وقد قيل في قوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ)، أي: دار السلامة؛ لأنَّ من صار إليها يسلم من آفات الدنيا وعذاب النار، والسلام ضرب من الشجر وهو من العِضَاه سمي بذلك لأنّه لعظمه يسلم من العوارض الداخلة عليه.