وحدثني أبي عن عمه إبراهيم بن غالب حدثنا القاضي منذر بن سعيد حدثنا أبو النجم عصام بن منصور المرادي القزويني حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم الرقي حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله بن البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في خبر طويل:
أنّ النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط أنفذتهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: اسألاهم عن (محمد). وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول؛ وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة. فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقالا لهم ما قالت قريش وقالا: أخبرونا عن صاحبنا. فقالت لهما أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، نأمركم بهن. فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فارؤوا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول، ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجلٍ طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه؟ وسلوه عن الروح، ما هو؟ -فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي، وإن لم يفعل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين " محمد "، وقصَّا عليهم القصة، فجاءوا النبي ﷺ فسألوه عن ذلك، فقال عليه السلام، أخبركم بما سألتم عنه غداً، ولم يستثن، فانصرفوا عنه، فمكث عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه، وأحزن النبي صلى الله عليه مكث الوحي عنه، وشق ما يتكلم به أهل مكة عليه، ثم جاءه جبريل عليه السلام عن الله تعالى بسورة الكهف، فيه معاتبة على حزنه عليهم، وخبر ما سألوا عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، والروح.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أنّ رسول الله ﷺ قال لجبريل عليه السلام حين جاءه: لقد أحبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا، فقال له جبريل: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، فافتتح السورة تعالى: بحمده، وذكر نبوة رسول الله لما أنكروا عليه من ذلك فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) يعني: محمداً، إنك رسول مني. أي: تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك، (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا) أي: معتدلاً لا اختلاف فيه (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ)، أي: عاجل عقوبته في الدنيا، ثم مر في السورة.