أحدها: أن يكون في موضع رفع؛ لأنَّه مبنيّ لإضافته إلى غير متمكن وهو الاسم الناقص، قال الشاعر:
لم يَمْنَع الشربَ منها غَيرَ أنْ نَطقَت | حَمَامةٌ في غُصُون ذاتِ أوقَالِ |
والوجه الثاني: أنّه منصوب على الحال. وهو قول الجرمي، وفيه بعد؛ لأنّ (حقاً) نكرة، والحال لا تكون من النكرة، إنما شرطها أن تكون نكرة بعد معرفة قد تم الكلام دونها، نحو قولك: جاء زيد راكبا، تنصب (راكباً) لأنّه نكرة جاء بعد (زيد) وهو معرفة يجوز أن يوقف دونه؛ لأنَّك لو قلت: جاء زيد، لكان كلامًا تامًّا، وهذه الحال منتقلة، إلا أنّه قد جاء عن العرب حرفٌ شاذٌ، وهو قولهم: وقع أمرٌ فجأةً، نصبوا (فجأة) على الحال من (أمر) وأمر نكرة، ولو حصله حامل على أنّه منصوب على المصدر لكان وجهاً؛ لأنّ المعنى: وقع أمر وفاجأ أمر سواء.
وقيل: إن (مثل ما) حال من مضمر في (حق) لأنّه وإن كان مصدراً نهو في موضع اسم الفاعل، واسم الفاعل يتضمن الضمير، نحو قولك: هذا زيدٌ قائم، ففي (قائم) ضمير، ألا ترى أنك لو أجريت (قائماً) على غير من هو له لأظهرت الضمير؛ فقلت: هذا زيدٌ قائمًا أبوه، وقائم أبوه، إن شئت، فـ (الهاء) في (أبوه) هو الضمير الذي كان في (قائم)، ولم يبق في (قائم) ضمير.
والوجه الثالث: أنّه منصوب على المصدر، كأنّه قيل: إنه لحق حقًّا كنطقكم، وهو قول الفراء، وزعم أنّ العرب تنصبها إذا رُفع بها اسم، فيقولون: مثلَ مَن عبدُ الله، ويقولون: عبد الله مثلَك، وأنت مثلَه، وعلة النصب فيها: أنّ الكاف قد تكون داخلةً عليها فتُنصب إذا ألقيت الكاف، قال: فإن قال قائل: أفيجوز أنّ نقول: زيد الأسدَ شدةً، فتنصب (الأسد) إذا ألقيت الكاف؛ - قلت: لا، وذلك أنّ (مثل) تؤدي عن الكاف والأسد، ولا يؤدي عنها، ألا ترى قول الشاعر: