ما جاءني من رجل. فقد نفيت جميع الرجال. ولو قلت: ما جاءني رجل، لجاز أنك تريد: جاءني اثنان فصاعداً، ومن هذا الوجه كان النصب في قوله (لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ) أجود؛ لأنّه أشد في المبالغة.
ومن رفع جعل (لا) جواباً لـ (هل) من غير (من) وهذا يقتضي الرفع، والرفع على الابتداء، و (فيها) الخبر. و (تأثيم) عُطف على (لغو)، وإذا نصبت جعلت (فيها) خبرًا لـ (لا) ويجوز هاهنا خمسة أوجهٍ:
أحدها: نصب الاثنين.
والثاني: رفع الاثنين. وقد قرئ بهما، قال الشاعر في الرفع:
وَمَا هَجَرتُكِ حَتَى قُلتِ مُعلِنةً | لا ناقةٌ لي في هَذا وَلاَ جَملُ |
ويجوز نصب الأول بلا تنوين ونصب الثاني بتنوينٍ قال الشاعر:
لا نَسَبَ اليومَ وَلا خُلةً | اتَّسَعَ الخَرقُ عَلى الراقِعِ |
ويجوز رفع الأول منونا ونصب الثاني بلا تنوين، قال الشاعر:
فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها | وما فاهوا به أبداً مقيمُ |
ويجوز نصب الأول بلا تنوين ورفع الثاني بتنوين، قال الشاعر:
وَإذا تكونُ كريهةٌ أدعَى لها | وَإِذا يُحاسُ الحَيسُ يُدعى جُندبُ |
هذا وَجَدَكُم الصَغارُ بعينِهِ | لا أُمَّ لي إن كان ذاك ولا أبُ |
وحق قوله (ولا أبُ) أن يكون منونا إلا أنّه قافية. والقوافي لا تنون في الوصل.
فهذه خمسة أوجه. فإن حذفت (لا) الثانية لم يجز فيما بعد الواو إلا التنوين رفعاً أو نصباً، نحو