بجوابٍ له في اللفظ ثبت أنّ موقع (إن كان) بعده لا قبله. قال: فإن قيل: إنما يدل (الفاء) التي تكون جواباً لقوله (إن كان) لأجل الفاء التي تدخل جوابا لـ (أما) لأنّه لا يدخل حرف معنى على مثله، قيل: إنما يدخل (الفاء) التي لـ (أما) عليه؛ لأنّه ليس بجواب لقوله (إن كان)، فلو كان جواباً له لما دخلت هذه (الفاء) في قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ) على أنّ (فاء) (أما) قد تكون موقعة بعد (الفاء) لا تليها، فأما ما استدل به أبو علي على قوله: أنّ ما بعد (أما) لا يكون موقعه إلا بعد (الفاء) تليها، فإنه غير دال على صحة قوله؛ لأنّه قال: امتناع (أما زيداً فإنك تضرب)، يدل على أنّ ما بعد (أما) لا يجوز أن يقع إلا بعد (الفاء) يليها، قال: ولأنه لو جاز أن يقع بعد (أما) بعد (الفاء) لا يليها، لما امتنع: (أما زيداً فإنك تضرب)؛ لأنّه كان يكون التقدير: مهما يكن من شيء فإنك تضرب زيداً، قال: فلما امتنع هذا علمت أنّه إنما امتنع؛ لأنَّ التقدير: مهما يكن من شيء فزيداً أنك تضرب، ولما لم يجز هذا لم يجز: أما زيد، فإنك تضرب؛ لأنّ التقدير به هذا، ولو كان التقدير به: فإنك تضرب زيداً، لجاز كما يجوز: مهما يكن من شيء فإنك تضرب زيداً، فيقال: هذا لا يدل؛ لأنَّ قولك: مهما يكن من شىء زيداً فإنك تضرب، لم يجز؛ لأنَّ (إنّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولذلك لم يجز: أما زيد، فأنك تضرب؛ لأنََّّ (إنّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأنّ زيداً الآن مقدم في اللفظ على (أنّ). ولم يمتنع لأنّ التقدير به يكون مقدما على (إنَّ) لأنّه إن قدر به أن يكون موضعه قبل (إنّ) أو بعد (إنّ) لم يجز؛ لأنَّه مقدم في اللفظ على (إنّ) وإنما كان يكون ذلك دليلا لو كان ما بعد (إنّ) يعمل فيما قبلها إذا وصل بها، ولا يعمل فيها، فأما إذا كان ما بعد (إنّ) لا يعمل فيما قبلها أوليه أو لم يله فإن هذا لا يدل؛ لأنّه إنما امتنع أن تنصب (زيداً) إذا ولي (إنّ) بما بعد (إنّ) لأنّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وهذه العلة موجودة فيما تقدم (إن) ولم يلها.
و (أما) لها في الكلام موضعان:
أحدهما: أن تكون لتفصيل الجمل، نحو قولك: جاءني القوم فأما زيد فأكرمته وأما عمرو فأهنته، ومن هذا الباب قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) الآية.
والثاني: أن تكون مركبة من (أن) و (ما) وتكون (ما) عوضا من (كان) وذلك قوله: أما أنت منطلقاً انطلقت معك، والمعنى: إن كنت منطلقاً انطلقت، فموضع (أنّ) نصب؛ لأنّه مفعول له،