والثاني: أنّ (ما) أعم مِنْ (مَنْ) وذلك أنها تقع على ما لا يعقل وعلى صفات من يعقل، فقد شاركت (مَن) في من يعقل وزادت عليها بكونها لما لا يعقل فصارت أعمّ منه، فجاءت لتدل على أنّ التسبيح من جميع الخلق عاقلهم وغير عاقلهم عام، ويدل على هذا قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
* * *
قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
جاء في التفسير: أنّ النبي ﷺ كان يخطب يوم الجمعة فقدِم دحية الكلبي بتجارة من الشام وفيه كل ما يحتاج إليه الناس. فضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه، فخرج جميع الناس إلا ثمانية نفر، فأنزل الله سبحانه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً)، يعني التي قدم بها، (أَوْ لَهْوًا)، يعني الضرب بالطبل.
ويُسأَل عن قوله: (انْفَضُّوا إِلَيْهَا)، ولم يقل (إليهما)؟
وفى حرف عبد الله (انْفَضُّوا إِلَيْهِ)، ففي القراءة الأولى عاد الضمير إلى التجارة وفي القراءة الثانية على اللهو، وجاز أن يعود الضمير على أحدهما اكتفاءً به، وكأنه على حذفٍ، والمعنى: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه، فحذف (إليه) لأنّ (إليها) يدل عليه.
قال الفراء: إنما قال (إليها) لأنها كانت أهم إليهم، وهم بها أسرُّ من الطبل؛ لأنّ الطبل إنما دلّ على التجارة، والمعنى كله له.


الصفحة التالية
Icon