في المعنى للمخاطب كأنّه قال: لا تتعرّض للكون هاهنا. فإن من كان هاهنا، أراه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)
القصاص: القود، والحياة: نقض الموت، والألباب: العقول واحدها لبٌّ.
وهذا من الكلام الموجز، ونظيره من كلام العرب (القتل أنفى للقتل) إلا أنّ ما في القرآن أوجه وأفصح وأكثر معاني، والفرق بينهما في البلاغة من أربعة أوجه وهي أنّه:
أكثر في الفائدة، وأوجز في العبارة، وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة، وأحسن تأليفا بالحروف المتلائمة.
أمّا الكثرة في الفائدة: ففيه كلُّ ما في (القتل أنفى للقتل) وزيادة معاني حسنة منها: إبانة العدل لذكره القِصاص؛ لأنَّه ليس في قولهم (القتل أنفى للقتل) بيان أنّه قصاص. ومنها: إبانة الغرض المرغوب فيه وهو الحياة. ومنها: الاستدعاء بالرغبة والرهبة وحكم الله به.
وأما الإيجاز في العبارة: فإن الذي هو نظير (القتل أنفى للقتل) قوله تعالى (القِصَاصِ حَيَاةٌ)، وهذا عشرة أحرف، والأول أربعة عشر حرفا.
وأما بعدهُ من الكلفة بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة، فإنّ قولهم (القتلُ أنفى للقتل) فيه تكرير غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك، فهو مقصّر في باب البلاغة.
وأمَّا الحسن بتأليف الحروف المتلائمة: فإنه يدرك بالحسّ، ويوجد في اللفظ؛ لأنّ الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة؛ لبُعد الهمزة من اللام، وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام.


الصفحة التالية
Icon