البحار والأنهار لا يمتزج بعضها ببعض فهو والله الكذب البارد السامج، وإن غاية عذوبة ماء النهر أن تُدْرَك عند مصبّه في البحر أما إذا التقى بماء البحر فقطعاً يمتزج أحدهما بالآخر فتتلاشى عذوبة ماء النهر بقدر بُعْده عن مصبّه من البحر وبقدر ملاقاته لماء البحر فيصيران ماءً واحداً مالحاً لكثرة ماء البحر وملوحته، والبحار مثل ذلك إذا الْتقت مياه بعضها ببعض امتزجت في الحال، أما المكابرات والسخافات فلها عقول تقبلها.
أما البرزخ المذكور في آية سورة الرحمن فهو الحاجز من الأرض لئلا يبغى هذا على هذا وهذا على هذا فيزيل أحدهما صفة الآخر ليس هو حاجز من الماء.
وكذلك هو البرزخ المذكور في سورة الفرقان قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً) والمراد بالبحرين الأنهار العذبة والبحار المالحة، والبرزخ والحِجر هو الحاجز كما في آية سورة الرحمن وآية سورة النمل، والمراد بذلك اليابس من الأرض المانع من طغيان بعضها على بعض فتذهب الحكمة من وجود الأنهار وعذوبتها والحكمة من وجود البحار وملوحتها.
ومن شاء فليأخذ بإناء صغير أو كبير ماءاً من النهر ثم يصب عليه ماءاً من البحر فيشرب إنه يجد الماءان صار ماءاً واحداً بالامتزاج.


الصفحة التالية
Icon