الإحداث، فبهذا الميزان يعرف الموفق انحرافات الأمة بالعلم الذي هو الأصل لا سيما في العلم الشرعي وكيف سُمِّي باسمه ما يضادّه.
ثم قال: (وقال تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي أنزله وفيه علمه الذي لا يعلمه البشر فالباء للمصاحبة مثل قوله: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ) أي أُنزل وفيه علم الله وذلك من أعظم البراهين على صدق نبوّة من جاء به).
ثم رَدّ رحمه الله قول من قال: إن المعنى أنزله وهو يعلمه، وبيّن أن هذا ليس هو المراد وإن كان يعلم سبحانه ما أنزله وإنما المعنى: أنزله متضمناً لعلمه الذي لا يعلمه غيره إلا من أطلعه الله وأعلمه به، فإن هذا من أعظم أعلام النبوّة والرسالة. انتهى.
وانظر قوله رحمه الله: (إلا من أطلعه الله وأعْلمه به) وإذا كان الرب سبحانه ذكر علم المخلوقات في كتابه العزيز فهل يُغلق باب العلم بذلك عن الصحابة والسلف من علماء المسلمين وأئمتهم ويفتح هذا الباب بعد القرون الطوال وفي نهاية الأمة وختام الدنيا على أعدائه الذين لا يُقرون بوجوده؟ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى).
إن العلم بالله عز وجل الذي هو أشرف العلوم عند أهل الإسلام ليس عند الكفرة، كذلك العلم بمخلوقاته عندهم لأنهم يأخذون علمها من خالقها وَوَصْفها من فاطرها، بخلاف أهل الظن والخرص والدّجل.