فقوله: (لما سنعمل بحريّتنا، وقوله: وكل إنسان منا يُشعر تمام الشعور أنه يُمارس عمله بحريّة تامة) يُشعر أن العبد يخلق فعله وهذا إثبات خالق مع الله، وخلق الله لأفعالنا لا ينفي أننا نعمل بحريتنا واختيارنا إنما ينفي أن تكون هذه الحرية والاختيار اسْتقلالاً منا إذْ أن حرّيتنا واختيارنا مخلوق ذلك كله لله فيجعلنا نختار ما يُريد بحريتنا.
أما تشبيه صاحب كتاب توحيد الخالق إيقاع العبد عمله بالعضلات الإرادية وغير الإرادية ثم تمثيله بأن عِلْم شخص بعمل شخص ليس له تأثير بذلك العمل، هذا تشبيه علم الرب عز وجل بعلم عباده وهو باطل والفرق أن الرب سبحانه يعلم ما سيفعله العبد لأنه قد أراده وعلمه وكتبه ويخلقه على مقتضى علمه وإرادته وكتابته... أما علم الشخص بعمل شخص آخر فغير مؤثر بخلاف علم الرب سبحانه بعمل العبد فإنه سابق في التقدير مؤثر في الإيجاد.
فإذا قيل: هذا هو الجبر والإكراه والإرغام بعينه، قيل: ليس كذلك، فالمجبور مسلوب الإرادة والاختيار كالأشجار المحرَّكة بالرياح والمرتعش، أما العبد فيعمل بإرادة واختيار تخرجه عن مقام الجبر وإن كان الرب سبحانه هو خالق إرادته واختياره.
والمراد أن صاحب كتاب توحيد الخالق تكلم في علم الله السابق وكتابته وأهمل الإرادة وخلق الأفعال، وهذا تخبيط.