وكنت أتوقع رد فعل قد يكون عنيفاً من كثيرين لأجل ما ذكرته كالإشارة إلى هذه المسألة التي تحتاج إلى بسط أكثر وعناية أكبر لتواطء الجميع على قبولها واستحسانها حتى كأن من يذكرها في تأليفه أو يشير إليها في تصانيفه قد جاء بالدرة المفقودة والضالة المنشودة، والصحيح أنه جاء بشبهة بطلانها ظاهر يعرف ذلك أهل البصائر.
وإنما صار لها القبول في القلوب لأن الرغبات تستر العيوب، والشيطان قلّما يكيد الإنسان بشبهة إلا ويستر عيبها بشهوة فتكون الشهوة كالرشوة يعمي بها البصير عن النظر في عواقب الأمور.
والمعنى أنه قد افتضح الجميع بمحبة الدنيا وإيثارها فأظلمت القلوب مع كثرة الذنوب فقبلت شبهات الباطل وصارت يُجادل عنها ويُناضل، وصار من يبين بطلان هذه الأمور عند هذا الصنف من الناس عريّا من العلم والتحقيق قاصداً للشدة والتضييق ولولا محبة الدنيا وإيثارها لانجلت عن القلوب ظلمتها ورأت الأشياء على جليتها.
فنسبة هذه العلوم التجريبية إلى علماء المسلمين مسبة لهم وحطاً من أقدارهم بل وقلباً للحقائق لأنها ليست من علومهم، وحاشا أن تكون كهذا نتائج أفكارهم وفهومهم، وهم أجل وأرفع قدراً مما وصفهم بل وصمهم به المتأخرون، فالقوم في واد وهؤلاء وعلومهم التجريبية في واد، فهم كانوا عن مثل هذا في شغل شاغل وليسوا كأهل هذا الزمان يحسبون