ثم قال: والعلماء ينكرون على من يقول: إن روح الإنسان قديمة أزلية من المنتسبين إلى الإسلام، وهؤلاء الذين يقولون: إن مادة جسمة باقية بعينها وهي أزلية أبدية أبعد عن العقل والنقل منهم.
هذا هو مذهب أهل الذرة مع الفارق أن من يتكلم عنهم شيخ الإسلام ينسبون للإسلام ويُقرون بالخالق، وأهل الذرة معطلة دهرية ومقلِّدتهم من المنتسبين للإسلام يرومون الجمع بين الحق والباطل.
وتأمل وصف شيخ الإسلام لمتكلمة الجهمية المطابق لأهل الذرة مع الفارق الذي تقدم ذكره، قال رحمه الله: ثم يَدّعون أن الجواهر جميعها أُبْدعت ابتداء لا من شيء، وهم لم يعرفوا قط جَوْهراً أُحدث لا من شيء كما لم يعرفوا عرضاً أُحدث لا في محل، وحقيقة قولهم أن الله لا يُحدث شيئاً من شيء لا جوهراً ولا عرضاً، فإن الجواهر كلها أُحدثت لا من شيء، والأعراض كذلك.
والمشهود المعلوم للناس إنما هو إحداثه لما يُحدثه من غيره لا إحداثاً من غير مادة، ولهذا قال تعالى: (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) ولم يقل خلقتك لا من شيء، وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء) ولم يقل خلق كل دابة لا من شيء.
وهذا هو القدرة التي تبهر العقول وهو أن يقلب حقائق الموجودات فيُحيل الأول ويُفنيه ويُلاشيه ويُحدث شيئاً آخراً كما قال تعالى: (فَالِقُ الْحَبِّ