وفي حليبِ الأمِّ موادُّ تمنعُ التصاقَ الجراثيمِ بجدارِ الأمعاءِ، وفي حليبِ الأمِّ موادُّ حامضيّةٌ لقتلِ الجراثيمِ، والإرضاعُ الطبيعيُّ يَقِي من أمراضِ الكوليرا، والزحارِ، ومن أمراضِ شللِ الأطفالِ، والكزازِ، لأنّ مناعةَ الأمِّ كلَّها في حليبِها، وإنّ إرضاعَ الطفلِ من ثَدْيِ أمِّه يَقِيها من أورامِ الثديِ الخبيثةِ، ويَقِي الرضيعَ من الآفاتِ القلبيةِ، والوعائيةِ، وأمراضِ التغذيةِ، والاستقلابِ، بل إنّ الفِطَامَ السريعَ يُحدِثُ رَضّاً نفسيّاً، وانحرافاتٍ سلوكيةً.
وحليبُ الأمِّ سهلُ التحضيرِ؛ ليلاً ونهاراً، في السفرِ والحَضَرِ؛ لأنه جاهزٌ دائماً، بالحرارةِ المطلوبةِ، وبالتعقيمِ المثاليِّ، والسهولةِ في الهضمِ، وفيه المناعةُ التي تَقِي معظمَ الأمراض، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ٤-١٠]، هديةً مِنَ اللهِ، قال ابن عباس: (النجدانِ هما الثديان).
ويؤكِّدُ علماءُ نفسِ الأطفالِ أنّ الطفلَ حينما يولَدُ لا يملكُ أيَّ قدرةٍ إدراكيةٍ، بل إنّ كلَّ ما يتمتعُ به الراشدُ من إمكاناتٍ، وقدراتٍ، ومفاهيمَ، ومعقولاتٍ، وخبراتٍ، ومؤهلات، إنما هي نتيجةُ تفاعلِه مع البيئةِ، وهذا فحوى الآية الكريمة:
﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨].
لكنَّ منعكساً - على حدّ تعبيرِ علماءِ النفسِ - يولَدُ مع الطفلِ، ولا يحتاجُ إلى تعليمٍ، إنه منعكسُ المَصِّ، إذ لولاه لَمَا وجدتَ إنساناً واحداً على سطحِ الأرضِ في قاراتِها الخمسِ، إنّ الطفلَ الذي يولدُ من توِّه لا يستطيعُ أن يتلقَّى توجيهاتِ والدِه في ضرورةِ الْتِقَامِ ثديِ أمِّه، وإحكامِ إطباقهِما، ثم سحبِ الهواءِ، كي يأتيَه الحليبُ، لا يستطيعُ أن يتلقَّى هذه التوجيهاتِ بالفهمِ، فضلاً عن التطبيقِ.