إنّ العطفَ والحنانَ الذي يتلقّاه الطفلُ مِن أمِّه في أثناءِ الرضاعةِ يُكسِبُه رحمةً في قلبِه تنعكسُ على علاقاتِه بمَن حَوْلَه في مستقبلِ أيّامِه، ﴿والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة﴾ [البقرة: ٢٣٣].
قالَ العلماءُ: "الحدُّ الأدنى ستةُ أشهرٍ، والحدُّ الأتمُّ حولانِ كاملانِ".
وصيغةُ (يُرْضِعْنَ) جاءتْ خبراً في معرضِ الأمرِ، أي: أيّتُها الوالداتُ أَرْضِعْنَ أولادَكُنَّ، وكلُّ أمرٍ في القرآنِ يقتضي الوجوبَ ما لم تكن هناك قرينةٌ تَنُصُّ على خلافِ ذلك.
نقطةٌ دقيقةٌ: إذا حَدَثَ ما يمنعُ الرضاعةَ من الأمِّ، فالعلماءُ يقولون: "ينبغي أنْ تبحثَ له عن مُرضعةٍ، لا أنْ ترضِعَه من حليبِ البقرِ، قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، فالبديلُ ليس حليبَ القواريرِ، بل أنْ تبحثَ له عن مرضعةٍ، وهذه المرضعةُ ينبغي أن تكونَ صحيحةً جيدةً، وذاتَ عقلٍ كبيرٍ، وخُلُقٍ قويمٍ".
وقد ألزمتْ حكوماتُ أكثرِ الدولِ معاملَ حليبِ الأطفالِ أن تكتبَ على كل عُبوةٍ: (لا شيءَ يَعْدِلُ حليبَ الأمِّ).
وقد أجرِيَ بحثٌ علميٌّ في بلدٍ متقدِّمٍ، قاسَ فيه الباحثونَ مستوى الذكاءِ الفطريِّ لدى عددٍ من الأطفالِ من شعوبٍ متعددةٍ، بالنسبةِ للإرضاعِ الطبيعيِّ والصناعيِّ، فكانتِ النتائجُ مدهشةً؛ حيث إنّ أطفالَ جزرِ الباسيفيك يتمتعون بأعلى نسبِ الذكاءِ من بينِ مجموعةِ الأطفالِ الذين تناولَهُم البحثُ، وذلك بسببِ أنهم لا يعرفونَ الإرضاعَ الصناعيَّ إطلاقاً، لقد صَدَقَ اللهُ إذ يقولُ: ﴿والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
هذا منهجُ اللهِ عزَّ وجل، إنه تعليماتُ الصانعِ، فما الذي يمنعُ العبدَ أن يطيعَ اللهَ عزَّ وجل؟ وما الذي يمنعُه أن يكونَ مؤمناً، ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ١٠]، لذلك قالَ بعضُ العارفين:
تَدَارَكْتَنا باللطفِ في ظلمةِ الحشَا | وخيرَ كفيلٍ في الحشا قد كفَلْتَنَا |
وأسكنتَ قلبَ الأمهاتِ تعطُّفاً | علينا وفي الثديين أجريتَ قوتَنا |