مِن آياتِ اللهِ الدالةِ على عظمتِه هذا الهيكلُ العظميُّ الذي هو قِوامُ جسمِنا، إنه نسيجٌ متينٌ، يقاومُ قُوى الشدِّ، ونسيجٌ قاسٍ يقاومُ قُوى الضغطِ، هذا النسيجُ المتينُ القاسي أحدُ وظائفِه الكبرى أنه يحمي الأجهزةَ النبيلةَ، فالدماغُ من أنبلِ الأجهزةِ، وهو موضوعٌ في كرةٍ عظميةٍ هي الجمجمةُ، والنخاعُ الشوكيُّ جهازٌ نبيلٌ، موضوعٌ في العمودِ الفقريِّ، والقلبُ أخطرُ أجهزةِ الجسمِ موضوعٌ في القفصِ الصدريِّ، والرحمُ موضوعٌ في عظمِ الحوضِ، ومعاملُ كرياتِ الدمِ الحمراءِ موضوعةٌ في داخلِ العظامِ، ولولا الجهازُ العظميُّ لكان الإنسانُ كومةً من الجلدِ واللحمِ لا شكلَ لها.
هذا الجهازُ مؤلَّفٌ من مئتي قطعةٍ، بِنيتُها قاسيةٌ، ومحكمةٌ من الخارجِ، ومَساميةٌ إسفنجيةٌ من الداخلِ، لو أنّ بِنيتَها من الداخلِ كما هي من الخارجِ لَكَانَ وزنُ أحدِنا أربعةَ أمثالِ وزنِه الطبيعيِّ، لو أنّ وزنَك الآن سبعون كيلو غراماً، يصبح مئتين وأربعين.
يقولُ العلماءُ هذا القولَ الرائعَ: "في بِنيةِ العظم يتحقّقُ حدٌّ أقصى من النتائجِ، بحدٍّ أدنى من اللوازمِ، فهناك توازنٌ رائعٌ بين البُنيةِ المقاومةِ، والوزنِ الخفيفِ".
الطائرةُ التي نركبُها تزنُ مئةً وخمسين طنّاً، وقُودُها يزنُ مئة وخمسين طنّاً، يكفيها أربع عشرةَ ساعةَ طيرانٍ، لو أنها صُنِعَتْ من ثلاثمئة طنٍّ من الحديدِ لاحتاجتْ إلى ثلاثمئة طنٍّ من الوقودِ.
لو كان وزنُنا أربعةَ أمثالِ ما نحن عليه، فهناك مشاكلُ جماليةٌ، وهناك هدرٌ للطاقةِ بلا مسوِّغٍ.
أغربُ ما في هذا الجهازِ أنّ هناك هدماً وبناءً مستمرَّيْنِ، حيث إنّ الإنسانَ يتجدَّدُ هيكلُه العظميُّ خمسَ مراتٍ في عمرٍ متوسطٍ، يعني كلَّ ستِّ أو سبعِ سنواتٍ لك هيكلٌ عظميٌّ جديدٌ كلياً بفعلِ عمليةِ الهدمِ والبناءِ.