إنّ بين جوانحك آياتٍ لا تعدُّ ولا تحصى، منها غشاءُ الطبلِ، فكلُّ واحدٍ غشاءُ طبلِه يعملُ بانتظامٍ، وغشاء الطبلِ غشاءٌ رقيقٌ، لا تزيدُ سماكتُه على نصفِ مليمترٍ، ولا يزيدُ قطْرُه على تسعِ ميليمتراتٍ - أقلُّ من سنتيمترٍ - متينٌ كالصلبِ، مرنٌ كالمطاطِ، حيويٌ جداً لنقلِ الأصواتِ، لو تعطَّلَ هذا الغشاءُ لفَقَدَ الإنسانُ سمعَه، لذلك فقدْ جهَّزهُ اللهُ عزَّ وجل بما يحفظُه من التَّلَفِ، وجَعَلَه في آخرِ قناةٍ منحنيةٍ أضيقَ من خِنْصَرِ الإنسانِ، لئلا يبعثَ به الصغيرُ فيخرِقَه.
لقد جعل اللهُ عزَّ وجل الأذنَ الوسطَى - وهذا من حكمتِه - موصولةٌ بقناةٍ إلى البلعومِ، فإذا جاءَ ضغطٌ كبيرٌ كافٍ لخرقِ هذا الغشاءَ جاء الضغطُ المقابلُ من الفمِ، فتوازنَ الضَغْطان، وسَلِمَ غشاءُ الطبلِ من التمزّقِ، إذْ إنّ الأصواتَ الشديدةَ من شأنِها أنْ تمزِّقَ غشاءَ الطبلِ.
وهذا الغشاءُ مربوطٌ بأربعةٍ عُظَيْماتٍ، لا يزيدُ وزنُها على خمسةٍ وخمسين ميليغراماً، ولا يزيدُ طولُها مجتمعةً على تسعةَ عشرَ ميليمتراً، هذه العظيماتُ لها وظيفةٌ رائعةٌ جداً، إنها تُكَبِّرُ الأصواتَ الضعيفةَ إلى عشرينَ مِثلاً، وتخفِّضُ الأصواتَ الضخمةَ المؤذيةَ، فجهازٌ واحدٌ يعملُ على تكبيرِ الصوتِ، وعلى خفضِ الصوتِ، وهذا ما لا يستطيعُه البشرُ، وهذا مِن الآياتِ الدالةِ على عظمةِ اللهِ تعالى.
بل إنّ الأصواتَ التي تزيدُ على مئةِ ديسيبل - وحدة قياس الأصواتِ - والتي مِن شأنِها أن تؤذيَ الأذنَ، هناك آليةٌ عصبيةٌ معقدةٌ جداً تخفِضُها، حين لا تسمعُ صوتَ إنسانٍ فتقولُ له: أَعِدْ، ما سمعتُ، فإنّ بعضَ حركاتِ الوجهِ تؤثِّرُ على عصبٍ مشتركٍ بين الوجهِ، وعضلةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بعظمٍ الرِكابِ مِن شأنِها أنْ تزيدَ حساسيةَ الأذنِ، أي حينما تتغيَّرُ ملامحُ وجهِك، حينما لا تفهمُ الكلامَ، هناك آليةٌ معقدةٌ جداً تنتقلُ عَبْرَ العَصبِ السمعيِّ إلى عضلةٍ تُضاعفُ حساسيةَ الأذنِ.


الصفحة التالية
Icon