إنّ في كلامِ اللهِ دقّةً بالغةً في الصّياغةِ، وما دامَ سميعاً بصيراً فلِمَ قدَّمَ السَّمْعَ على البصرِ؟ قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦].
هناك حكمتان اعتمدهما العلماءُ: "السّمعُ أخطرُ في حياةِ الإنسانِ من البصرِ"؛ لأنَّ الإنسانَ يتلقّى الأصواتَ من الجهاتِ الستِّ، عن يمينِه، وعن شمالِه، ومن أمامِه، ومن ورائِه، ومن فوقِه، ومن تحتِه، في الظلامِ والنورِ، وفي الليلِ والنهارِ، وعلى الرّغمِ من الحواجزِ الكتيمةِ فإنّ السمعَ يصلُ إلى أُذنِك، فكأنّ السّمعَ يُغطِّي البيتَ كلّهَ، فإنْ كنتَ نائماً، وسمعتَ حركةً في غرفةِ الضّيوفِ، انتقلتَ إليها، أما عيْنُك فلا تُرِيكَ إلا أطرافَ غرفةِ النومِ، وإن كنتَ تقودُ سيارةً فلا ترى إلا الذي أمامَك، إما إنْ كان ثمَّةَ خلَلٌ في المحرّكِ، أو العجلاتِ، فالصوتُ يصلُ إلى أُذنِك، فتقفُ في الوقتِ المناسبِ، هذه بعضُ توجيهاتِ العلماءِ تبيِّنُ أنّ السمعَ أخطرُ من البصرِ.
شيءٌ آخر، قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير﴾ [الملك: ١٠].
لماذا اختارَ اللهُ سبحانه وتعالى السّمعَ وحْدهُ؟ لأنّه مَن كانَ أصمَّ كان أبْكمَ، فالذي لا يسمعُ لا ينطقُ، والذي لا يسمعُ، ولا ينطقُ متخلّفٌ عقليّاً، ويصنّفُ مع المعوّقين عقليّاً، ومع البُلْهِ، لكنْ كم مِن الذين فَقَدوا بصرَهم كانوا قمّةً في العلمِ والأدبِ، وأعلاماً، ولكنّ الذي لا يسمعُ لا ينطقُ، ولا يفهمُ، هذا بعضُ التوجيهاتِ.
إنّ دِقّة خلقِ السمع كدِقّةِ البصرِ، لقولِ اللهِ تعالى: ﴿مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتٍ﴾ [الملك: ٣]، فبعضُ الشركاتِ مثلاً تنتجُ بضاعةً من الدرجةِ الثانيةِ، يُقال لها: بضاعةٌ تجاريّةٌ، وقد تنتجُ بضاعةً من الدرجةِ الأولى، ولها أسعارٌ خاصّةٌ، ولكنّ صُنعَ اللهَ تعالى لا تفاوُتَ فيه، وكلُّه متْقَنٌ إلى درجةٍ مطلقةٍ.