إنّ نصوصَ الوحي قد نزلتْ بألفاظٍ جامعةٍ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ... " ممّا يدلُّ على أنّ النصوصَ التي وردتْ عن النبيِّ ﷺ بكلِّ المعاني الصحيحةِ في مواضيعِها التي قد تَتَابَعَت في ظهورِها جيلاً بعد جيلٍ.
إذا وقعَ التعارضُ بين دَلالةٍ قطعيةٍ للنصِّ، ونظريةٍ علميةٍ، رُفِضَتْ هذه النظريةُ، لأنّ النصَّ وحيٌ مِن الذي أحاطَ بكلِّ شيء علماً، وإذا وقعَ التوافقُ بينهما كان النصُّ دليلاً على صحةِ تلك النظريةِ، وإذا كان النصُّ ظنياً، والحقيقةُ العلميةُ قطعيةً يُؤَوَّلُ النصُّ بها، وحيث لا يوجد مجالٌ للتوفيقِ فيُقدَّمُ القطعيُّ.
منهجيةُ أبحاثِ الإعجازِ العلميِّ في ضوءِ منهجِ السلفِ وكلامِ المفسِّرين:
إنّ كلامَ الخالقِ سبحانه عن أسرارِ خلْقِه في الآفاقِ وفي الأنفسِ غيبٌ قبْل أن يُرِيَنَا اللهُ حقائقَ تلك الأسرارِ، ولا طريقَ لمعرفةِ كيفياتها وتفاصيلِها قبلَ رؤيتِها، إلاَ ما سمعْنَا عن طريقِ الوحيِ، وكان السلفُّ لا يتكلَّفون ما لا علمَ لهم به.
إنّ معانيَ الآيات المتعلِّقةِ بالأمورِ الغيبيةِ، ودِلالتَها اللغويةَ معلومةٌ، ولكنّ الكيفيَّاتِ والتفاصيلَ محجوبةٌ، وإنّ مَن وَصَفَ حقائقَ الوحيِ الكونيةَ بدقائِقها وتفاصيلِها بعدَ أنْ كشَفها الله وجلاّها للأعينِ غيْرُ مَن وَصَفها مِن خلالِ نصٍّ يسمعُهُ، ولا يَرَى مدلولَه الواقعيَّ، لأنّ وصفَ من سَمع وشاهَدَ غيرُ مَن سَمِعَ فقط.
ولقد وُفِّقَ السلفُ الصالحُ من المفسِّرين كثيراً في شرحِهم لمعنى الآياتِ القرآنيةِ على الرّغم من احتجابِ حقائِقها الكونيةِ، مع أنّ المفسِّرَ الذي يَصفُ حقائقَ وكيفيَّاتِ الآياتِ الكونيةِ في الآفاقِ والأنفسِ، وهي محجوبةٌ عن الرؤيةِ في عصرِه، قياساً على ما يَرَى من المخلوقاتِ، وفي ضوءِ ما سمعَ مِنَ الوحيِ، يختلفُ عن المفسِّرِ الذي كُشِفتْ أمامه الآيةُ الكونيةُ، فجمعَ بين ما سَمع من الوحيِ، وما شاهدَ في الواقعِ.


الصفحة التالية
Icon