ولو أنَّ عَتَبَةَ السَّمْع ارْتَفَعَ مُستواها قليلاً لَمَا أمْكنكَ أنْ تنامَ الليلَ، لأنّ الأصواتَ كلَّها تتلقّفُها، بل إنّ أصواتَ جهازِ الهضْمِ وحدهُ تكادُ تكونُ كالمعملِ الكبيرِ، لذلك جَعَلَ اللهُ لك عتبةً خاصّةً في السَّمْعِ لا تزيدُ على حدِّها، فلو أنّ حاسّة اللمْسِ زادَتْ لشَعَرْتَ بالكهرباءِ الساكنةِ التي تُحيلُ حياتك جحيماً لا يُطاقُ، وبعضُ الحيواناتِ تزيدُ حاسّةُ الشمِّ عندَها مليونَ ضعفٍ على حاسّةِ الإنسانِ، غير أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى شقَّ لنا السمعَ، وأنشأ الأبصارَ والأفئدةَ، وخَلقَ حاسّةَ اللّمْسِ، وحاسّةَ البصَرِ، ومع كلِّ هذا فإنّ هذه الحواسَّ خُلِقَتْ خَلْقاً دقيقاً جِدّاً مِنْ قِبَلِ اللهِ تعالى.
جهاز الإفراز
الكليتان وشكر نعمتهما
روي أنه كان عليه الصلاةُ والسلامُ إذا خرج مِن بيتِ الخلاءِ يقول: "الحَمْدُ للهِ الذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي".
وفي دعاءٍ آخر، كان يقول: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ".
إنّ الكُليتين تصفِّيانِ في اليومِ الواحدِ من الدمِ ما حجمُه ألفٌ وثمانمئةِ لترٍ، وإنْ تعجبْ فعجبٌ ورودُ هذا الرقمِ نفسِه في مصادرَ عدّة، ممّا يُخرِج الخبرَ عن أنْ يكونَ غريباً أو شاذّاً.
أعتقدُ أنَّ أسرةً متوسطةً تستهلكُ هذا الحجمَ كوقودٍ طوالَ السنةِ.
ثم إنّ في الكليتين طريقاً دقيقاً من الأنابيبِ، من النفرونات، طولُه ستون كيلو متراً.
وفي هاتين الكليتين طاقةً لتصفيةِ عشرين ضِعفاً من حاجةِ الإنسانِ إلى التصفيةِ.
لذلك إذا استُؤصِلتِ الكليةُ لسببٍ ما فإنّ الإنسانَ يعيشُ حياةً مديدةً بكليةٍ واحدةٍ، أليس هذا من رحمةِ اللهِ عزَّ وجل؟ لأنّ الكليةَ جهازٌ خطيرٌ، فقد جعلَ لك قطعةَ غيارٍ احتياطيةً زائدةً، أو كليةً زائدةً على حاجتِك.
مَن منا يُصدَّقُ أنّ الدمَ بكاملِه يمرُّ في الكليتين ستاً وثلاثين مرةً، في كلِّ أربعٍ وعشرين ساعةً.