إنّ مِن المفارقاتِ الحادّةِ أنّ الدولَ المتقدمةَ - بمقياسِ العصرِ المادي - بكلِّ إمكانياتِها الماديةِ والعلميةِ تقفُ عاجزةً مكتوفَةَ الأيدي أمامَ أضعفِ فيروسٍ حتى الآن، يفتِكُ بالملايين الذين انحرفوا بأخلاقِهم عن المنهجِ القويمِ، وكأنّ هذا الفيروسَ جندٌ من جنودِ اللهِ، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ [المدثر: ٣١]، جعله اللهُ عقاباً عاجلاً لمَن خرجَ عن الفطرةِ السليمةِ، فضلَّ، وأضلَّ، وفسدَ، وأفسدَ، إذْ لا سبيلَ إلى الخلاصِ منه إلا بالعودةِ إلى المنهجِ القويمِ، والصراطِ المستقيمِ، ومما يؤكِّدُ ذلك، وهذا ما حيَّر العلماءَ أنّ البعوضةَ تغرزُ خرطومَها في جسمٍ مصابٍ بهذا المرضِ، وتأخذُ مِن دمِه الملوَّثِ، ثم تنتقلُ إلى إنسانٍ سليمٍ مِن هذا الفيروس، وتغرزُ خرطومَها في دمه النظيفِ، ويختلطُ دمُ السليمِ بدمِ المصابِ، ولا ينتقلُ المرضُ، أليستْ هذه آيةً صارخةً تدلُّ على أنّ اللهَ جعلَ هذا المرضَ الفتَّاكَ عقاباً على السلوكِ الإباحيِّ ليس غير، ولم يجعل الإصابةَ به عشوائيةً؟
لو أن بلدةً تشربُ ماءً ملوثاً، فظهرَ في أبنائِها الأمراضُ والأوبئةُ، فهل مِن العقلِ والحكمةِ أن ندعَ الماءَ الملوثَ يفتكُ بأبناءِ هذه البلدةِ، ثم نبحثُ عن المصلِ المضادِّ، واللقاحِ الشافِي، وأنْ نستقدمَ الأطباءَ، ونشيدَ المشافيَ، ونستوردَ الأجهزةَ، أم العقلُ والحكمةُ يقتضيان أنْ نوقفَ الماءَ الملوثَ، أو أن نطهِّرَه مِن التلوثِ، وعندها نطوِّقُ المشكلةَ، ونحدُّ مِن انتشارِها، ثم نلتفتُ إلى معالجةِ المصابين؟.
مِن المؤسفِ أنّ هذا ما لا يجري في العالَم كلِّه، إنهم لا يقفون في وجهِ أسبابِ المرضِ، بل يحاولون أن يمنعوا أعراضَه ونتائجِه، إنّ دِرهمَ وقايةٍ خيرٌ مِن قنطارِ علاجٍ، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلاهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ٢٣].